فى الاستقبال.. أمراض اجتماعية كارثية - ليلى إبراهيم شلبي - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 4:13 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى الاستقبال.. أمراض اجتماعية كارثية

نشر فى : الجمعة 19 أكتوبر 2018 - 9:50 م | آخر تحديث : الجمعة 19 أكتوبر 2018 - 9:50 م

لدى هذا الصباح قصة تمنيت ألا أذكرها أو أتذكرها، لكنى ــ وبمرارة حقيقية ــ أرانى يجب أن أتذكرها بتفاصيلها لأحكيها اليوم، فقد شُغلت وسائل التواصل الاجتماعى هذا الأسبوع بقصة مماثلة أثارت النفوس ورفعت درجات التوتر إلى أعلى مؤشراتها.

أعود بذاكرتى لأيام فترة الامتياز الأولى تلك التى نبدأ فيها الممارسة الحقيقية للطب بعد الانتهاء من سنوات التلمذة. كان لى أن أبدأ دورتى فى الأقسام الباطنية، وعلىّ أن اختار، فاخترت ما يهرب منه كل زملائى عن قناعة: اخترت أن التحق لمدة شهرين للعمل بمستشفى الأمراض الصدرية. عالم لم أكن للحظة أتخيل تفاصيله ولا وقائعه. لكنه عالم يجعلك تدرك تماما أن مرض الدرن أو السل الرئوية لا ينهش رئة المريض فقط إنما يسرى فى دمه ويتسلل إلى ملامحه، وتشكل شخصيته بصورة قد يدهشك معها تحتاج إلى الكثير من الصبر ومقاومة النفس حتى يمكنك أداء رسالتك كطبيب، فلا تنحاز إطلاقا إلا للمريض نفسه بدلا من الانحياز ضد تصرفاته وأفعاله. أنا اتحدث هنا عن المرضى الذين يلزمون المستشفيات لفترات طويلة وتضطرهم ظروف متعددة إلى أن يستسلموا للبقاء فيها بل ويرفضون الخروج منها ويتحايلون لذلك.

كان منهم مهندس شاب أصيب بالدرن الرئوى وكانت شركته قد طلبت دخوله فى القسم الاقتصادى، بمعنى أن تكون له حجرة مستقلة وحمام ومواعيد زيارة مختلفة عن العنابر العادية التى يسكنها المرضى.

نقلت إلىّ ممرضة قديمة فى المستشفى إلى حد أنها تعرف زوار المرضى فيها بالاسم أن هذا المهندس الشاب يحتفظ فى الثلاجة الصغيرة فى حجرته بزجاجة كوكاكولا «يبصق» فيها لتنقل العدوى لزوجته التى تأتى لزيارته يوميا لأنه يحبها كثيرا ويغار عليها ويتمنى أن تمرض هى الأخرى حتى لا تتبدل أحوالها تجاهه!!.

أذكر جيدا رغم أعوام كثيرة تفصلنى عن تلك الأيام كيف ارتعش قلبى بين ضلوعى وخذلنى الوعى فجلست بصعوبة على أقرب مقعد ثم نهضت مسرعة إلى حجرة المهندس المريض لأرى زوجته وهى تهم بشرب زجاجة الكوكاكولا التى تحمل العدوى فتناولت منها الزجاجة تحت زعم أننى سأقاسمها إياها وطلبت كوبين. أدرك هو فى التو أننى أعرف سره فانهار يبكى، لكنى بالطبع تجاهلت الأمر تماما حتى ذهبت زوجته فبدأت حديثى إليه.

لماذا كان على أن أذكر تلك القصة اليوم؟ الواقع أن وسائل التواصل الاجتماعى نشرت رسالة مطولة من طبيب شاب عاصر أحداث ووقائع حادث كارثى فى غاية الخطورة عن مريض بالإيدز اقتحم مستشفى ليلوث كل ما فى قسم الاستقبال عامدا بدمه، فقد كان ينزف من جرح قطعى مفتوح. معه زوجته التى كانت تعاونه فى تلويث كل شىء فى المكان حتى ما كان داخل الدواليب. لا أجد فى التفاصيل أى متعة للسرد فهى مكتوبة بإسهاب. ما يهمنى حقا هو الحدث وما وراءه وكيف يمكن أن نتجنب تكراره أو تكرار حدوث وقائع مماثلة وإن اختلفت الرؤى.

هو بلاشك مريض يحتاج الرعاية والعلاج ولكن هذا لا يبرر له ومن معه على وجه الاطلاق أن يتصرف بتلك الطريقة الشرسة المدمرة، وأن يطلق لغضبه العنان ليؤذى أبرياء حوله على هذا النحو.

المستشفيات بالذات أقسام الاستقبال تتعرض دائما لأنواع مختلفة من هجمات اصحاب الامراض الاجتماية الخطيرة سواء من المرضى أو أقاربهم، واعتقد أن واجب الدولة ووزارة الداخلية حماية مواطنيها ومنهم عشرات الأطباء الذين يتعرضون لمثل تلك الحوادث الكارثية. أتمنى أن تتحرك نقابة الأطباء للتحقيق فى تلك الواقعة وأن يكون هناك موقف قوى لحماية الأطباء أثناء تأديتهم واجباتهم.

التعليقات