أكل عيش - غادة عبد العال - بوابة الشروق
الخميس 19 ديسمبر 2024 12:57 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أكل عيش

نشر فى : الخميس 19 نوفمبر 2009 - 12:13 م | آخر تحديث : الخميس 19 نوفمبر 2009 - 12:13 م

 فى مطار القاهرة بين المسافرين والمودعين والضحكات والدموع والدعوات بالتوفيق والتذكير بأهمية العودة من الخارج بنصف دستة بطاطين، وبينما أقف فى طابور طويل أغلبه من الأجانب أمام مكتب الجوازات وكل همى هو التخطيط لإنزال أقصى عقوبة وهى «الإعدام فعصا» على ذلك الصرصور الصغير الذى يمرح أمامى على الأرض عقابا له على إصراره على تشويه صورة البلد أمام الأجانب بتسكعه وحركاته غير المسئولة التى تثبت أنه لا يحمل ذرة وطنية واحدة فى جسده الهش فإذا بسائح عربى مغربى الجنسية يرتفع صوته عاليا: «فيه طابور.. فيه نظام.. إنت واللى زيك اللى بوظتوا سمعة مصر.. الله يلعنكم.. الله يلعنكم».

التفت أنا والجميع لنرى الرجل وهو يتعارك مع أحد عمال نقل الحقائب.. العامل كان بيقطع الطابور بعربية محملة بـ5 شنط وخلفه 2 من الخليجيين وتذكرت إن أكثر من عامل اقتربوا منى وعرضوا يوصلوننى بالشنط بدلا من الوقوف فى الطابور وبمجرد ما كنت أبدأ أتكلم ويتأكدون إن الكلام مصرى لا تشوبه شائبة كانوا بينصرفوا فورا بحثا عن «سبوبة» جديدة، لكن أنا وغيرى متعودين على كده اعتدنا إننا نشوف الموقف ده ونتجاهله أو يمكن ما ناخدش بالنا منه أساسا، وبينما تصدى أحد ضباط الأمن فى تكاسل للراكب المغربى اللى بدأ يتكلم إنجليزى ويشهد الأجانب اللى واقفين، نظرت للعامل الواقف يتابع الموقف كله بملل شديد وهو يتابع بعينيه زملاءه يجرون خلف عباءة هنا أو جلباب أبيض هناك ويتحسر على الدقائق التى كان يمكن أن يستغلها فى جريه المستمر وراء أكل العيش.

وسألت نفسى: هل من المفترض أن أشعر ناحية العامل ده بالغضب؟ ولا بالتعاطف؟.. هو بالطبع فقير يبحث عن مكان تحت الشمس، غالبا عنده زوجة وأطفال كل بقشيش زيادة عن مرتبه بيفرق معاهم، المرتب أكيد مش مكفى والمصريين بيشيلوا شنطهم بإيديهم وأحيانا فوق رءوسهم مش محتاجين مساعدة من حد والأجانب الغربيين بقوا واعيين.. بيفاصلوا وبيدفعوا بالمصرى، ده غير إن السياح اللى بييجوا مصر حاليا هم أفقر أنواع السياح فى العالم تنفيذا لسياسة وزارة السياحة اللى حطت مصر فى الوضع ده (فيه نكتة بيتناقلها الإنجليز: إن متسول إنجليزى اتجمع معاه قرشين فراح يشترى بنطلون لقى جنب المحل شركة سياحة بتعلن عن رحلات لمصر فقرر بدل ما يشترى البنطلون يزور مصر أرخص)، فى المقابل السياحة الخليجية فى ازدياد ويبدو أن الناس كرماء مع العاملين فى السياحة بجميع مستوياتهم أو ما يعرفوش إيه بكام فبتبقى فرصة، عشان كده هتلاقى سواق التاكسى اللى ممكن يطيرك فى الهوا لو واحد منهم شاورله، وعامل المطعم اللى هيسيبك تهاتى ساعة من غير ما يهّوب ناحيتك لو ودنه لمحت جملة خليجى بتتقال فى الترابيزة اللى جنبك، لكن ألا تشعر معى بالإهانة وأنت ترى مثل تلك المشاهد.

سمعة المصرى بأنه عبد الريال والدرهم يحنى رأسه وقامته لمن يملكهما، أليست تلك السمعة هى من أسباب وجود ظروف العمل المهينة اللى بيقابلها المصريون فى الكثير من دول الخليج؟

الفقير من حقه يدور على أكل عيشه ويوسع رزقه اللى بيبقى أحيانا فى نظره أضيق من خرم الإبرة، لكن ماذا عن الكرامة؟ ماذا عن صورة شعب بأكمله يرسمها هؤلاء؟ كنت أنتظر من رجال أمن المطار بدلا من أن يتصدوا للسائح المعترض أن يتصدوا للعامل الذى يخترق الطابور لكن منطق «سيبه ياكل عيش».. «ربنا ما يجعلنا من قطاعين الأرزاق»..

و«دعه يعمل دعه يمر»، هو السائد هذه الأيام.. النهاردة هنسيب الناس تاكل عيش وتطلع لقمتها من بق الأسد.. وبكره يمكن نفكر نحسن صورة البلد أمام أنفسنا أولا، لما كل واحد يحترم نفسه كل واحد هيحترم التانى، وفى النهاية هيجبر العالم كله على احترام أصغر حد وأفقر حد فينا موجود فى أى مكان على وجه الأرض.. بكره يمكن يحصل كل ده.. بكره.. فقط أتمنى إن بكره ده ما يتأخرش كتير.

التعليقات