هل الصين هي (دبي مضروبة في ألف مرة)؟! - توماس فريدمان - بوابة الشروق
الأربعاء 5 فبراير 2025 3:50 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

هل الصين هي (دبي مضروبة في ألف مرة)؟!

نشر فى : الأربعاء 20 يناير 2010 - 11:08 ص | آخر تحديث : الأربعاء 20 يناير 2010 - 11:08 ص

 عندما كنت أقرأ صحيفة الهيرالد تريبيون أثناء تناولى الإفطار فى ميناء هونج كونج الأسبوع الماضى، وقعت عينى على قصة إخبارية فى الصفحة الأولى تشير إلى أن جيمس تشانوس الذى يُقال إنه واحد من أنجح الأمريكيين العاملين فى البيع على المكشوف، وهو الرجل الذى راهن على حدوث عمليات احتيال فى شركة إنرون، واستطاع تكوين ثروة حينما ثبت صدق توقعاته وانهارت أسهم الشركة ــ يحذر الآن من أن الصين هى «دبى مضروبة فى 1000 مرة أو أكثر»، وأعلن أنه يبحث عن وسائل لأجل المراهنة ضد اقتصاد هذا البلد قبل أن تنفجر فقاعته.

ربما تكون السوق الصينية مليئة بالفقاعات الناضجة لاستخدامها من جانب العاملين فى البيع على المكشوف، وإذا استطاع تشانوس إيجاد طريقة للحصول على الأموال عن طريق هذه الوسيلة، فليباركه الله. لكنى بعد أن زرت تايوان وهونج كونج الأسبوع الماضى وتحدثت مع العديد من الأشخاص الذين يعملون ويستثمرون أموالهم فى الصين، أود أن أقدم للسيد تشانوس ملاحظتين تحذيريتين.

أولا: هناك قاعدة بسيطة كانت تساعدنى دائما، وهى ألا تراهن ضد بلد يتمتع باحتياطيات من العملات الأجنبية قدرها تريليونا دولار.

ثانيا: إنه من السهل أن تنظر للصين الآن وترى مشكلاتها الكثيرة، والأمور التى لا تسير بشكل جيد. على سبيل المثال، قد أدى انخفاض معدلات الفائدة والاقتراض السهل والعملة المقيَّمة بأقل من قيمتها الحقيقية والأموال الجائلة التى تتدفق من الخارج إلى حدوث «زيادة مفرطة فى أسعار المنازل» فى المدن الكبرى، على حد تصريح مسئول فى الحكومة الصينية الأحد قبل الماضى، أو ما يطلق عليه البعض فقاعة مضاربة ناضجة لعمليات البيع على المكشوف. لكن البنك المركزى الصينى بدأ خلال الأيام القليلة الماضية رفع أسعار الفائدة وزيادة نسبة الودائع التى يجب أن تحتفظ بها البنوك كاحتياطيات وهو ما يهدف تحديدا إلى منع التضخم وسحب بعض الهواء من جميع فقاعات الأصول.

هذه هى المسألة.. إنى أرفض التهوين من وضع الصين، ليس لأننى أعتقد أنها تخلو من المشكلات أو الفساد أو الفقاعات، بل لأنى أعتقد أنه على الرغم من أن جميع هذه المشكلات توجد على نطاق واسع وسوف ينفجر البعض منها فى الطريق (ويمثل التلوث المشكلة الأخطر) فإن لديها أيضا طبقة سياسية تركز على مواجهة المشكلات الحقيقية، وكذلك جبل من المدخرات يمكِنها من القيام بذلك بنجاح (على عكس الحال لدينا فى الولايات المتحدة).

ويجب أن نضع فى الاعتبار أمرا آخر. فكروا فى كل الضجيج والكلمات التى كتبت عن التنمية الاقتصادية فى الصين منذ عام 1979. أليست كثيرة؟ ماذا لو أخبرتك بقولى «ربما لم نر أى شىء بعد».

لماذا أقول ذلك؟ لقد بدأت جميع الاستثمارات طويلة الأجل التى قامت بها الصين خلال العقدين الماضيين تؤتى ثمارها اليوم. وباستطاعة هذه الاستثمارات أن تدفع الاقتصاد الصينى إلى عصر المعرفة للقرن الحادى والعشرين، انطلاقا من الاستثمارات الضخمة فى البنية التحتية.

فقبل عشر سنوات، كان لدى الصين كبارى وطرق كثيرة، لكنها لم تكن تؤدى إلى أى مكان. والآن أصبح الكثير منها مرتبطا ببعضه. كما تقوم الصين تقوم ببرنامج ضخم لإقامة شبكة لمترو الأنفاق فى المدن الكبرى، واستخدام قطارات فائقة السرعة للربط بين هذه المدن. والآن لدى الصين 400 مليون من مستخدمى الإنترنت، نصفهم لديه اشتراكات فائقة السرعة (برود باند). وإذا تفقدت أى موتيل فى أى مدينة كبرى، فسوف تجد خدمة البرود باند، فى الوقت الذى يوجد فى أمريكا 80 مليون شخص فقط يستخدمون البرود باند.

انظر الآن إلى كل هذه البنية الأساسية وضمها إلى الـ27 مليون طالب فى الكليات والجامعات الفنية وهو العدد الأكبر من نوعه فى العالم. ووفقا لمعايير التوزيع الطبيعى للعقول، فإن ذلك سوف يمد السوق بقدرات عقلية كبيرة، أو كما قال بيل جيتس ذات مرة: «فى الصين، عندما تكون أنت واحد فى المليون، فإنه يوجد 1300 شخص آخرين مثلك».

ولعل الأمر الذى على القدر نفسه من الأهمية هو أن أعدادا متزايدة من الطلاب الصينيين الذين تعلموا فى الخارج يعودون إلى بلادهم للعمل والشروع فى بدء أنشطة جديدة. وقد تناولت الغداء مع عدد من الأساتذة فى جامعة هونج كونج للعلوم والتكنولوجيا، وأخبرونى بأنهم سوف يقدمون هذا العام نحو 50 منحة كاملة إضافية لطلاب الدراسات العليا فى مجال العلوم والتكنولوجيا، بينما تقوم الجامعات الأمريكية الكبرى بتقليص عدد المنح بشدة.

وقد عاد مؤخرا تونى تشان عالم الرياضيات المولود فى هونج كونج من أمريكا بعد 20 عاما، كى يحتل منصب رئيس جامعة هونج كونج للعلوم والتكنولوجيا. ماذا كانت وظيفته فى أمريكا؟ كان يعمل مساعد مدير مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية، المسئولة عن علوم الرياضيات والفيزياء. ويمثل تشان واحدا من كثيرين عادوا إلى بلدهم.

وإذا كان إيجاد مدراء متوسطين أكفاء إحدى المشكلات الكبرى التى يواجهها قطاعا الصناعة التمويل فى الصين، فإن عودة العقول تخفف من حدة هذه المشكلة أيضا.

أخيرا، فقد قال لى رئيس وزراء تايوان السابق ليو تشاو شيوان: «عندما حولنا سلسلة القيمة المضافة من السلع الرخيص كثيفة العمل إلى السلع مرتفعة الثمن ذات القيمة المضافة المرتفعة، انتقلت المصانع إلى الصين أو فيتنام، وبالتالى فقدت تايوان هذه المصانع. أما فى الصين، فتنتقل المصانع التى تنتج السلع الرخيصة حاليا من المناطق الساحلية إلى الأجزاء الأقل نموا فى غرب البلاد. وأصبحت هذه المصانع تمثل قاطرة التنمية هناك. فى تايوان، تذهب المصانع إلى الخارج، وفى الصين، تذهب المصانع إلى الشرق والغرب».

ويضيف ليو: «بالطبع تدرك الصين أن لديها مشكلات. لكنها المرة الأولى التى تكون لديها فرصة فعلية لحلها». وإلى الآن، قام أصحاب الأعمال التايوانيون بنقل أكثر من 70 ألف مصنع إلى الصين. وهم يعرفون المكان عن حق. لذلك سألت العديد من رجال الأعمال التايوانيين عما إذا كانوا يقبلون المراهنة ضد الصين. وكانوا يهزون رءوسهم بقوة بالرفض، كما لو أننى قد سألتهم عما إذا كانوا قد خاضوا منافسات فردية مع لاعب كرة السلة الفذ الأمريكى ليبرون جيمس.

لكن البعض يقول إن الكلام نفسه قيل عن إنرون. نعم، لكنى أفضل المراهنة ضد اليورو. هل نراهن ضد الصين اليوم؟ حسنا، أتمنى لك حظا سعيدا فى مسعاك هذا يا سيد تشانوس. وأرجو أن تخبرنا كيف سار الأمر معك.

New York Times Syndication

توماس فريدمان  صحفي أمريكي مهتم بشئون الشرق الأوسط
التعليقات