قبل ٢٥ يناير ٢٠١١ سخر معظمنا من إمكانية وجود حشود شعبية كبيرة ضد نظام حسنى مبارك؟
تصورنا وقتها أن هذا النظام بأجهزته القمعية الشاملة عصى على السقوط حتى لو كان مجرد رأسه فقط، لاحقا ثبت أننا كنا منفصلين عن الواقع، ويعتمد معظمنا على بيانات حبيب العادلى فقط.
وبالتالى فالدرس الذى ينبغى أن يتعلمه أى متابع باحث أو إعلامى جاد، مما حدث فى ٢٥ يناير، هو ألا يستهتر بأى شىء حتى لو كانت نسبته لا تزيد على خمسة فى المائة.
أذكر أننى ذهبت إلى ميدان لاظوغلى فى أواخر ديسمبر ٢٠١٠ أو أوائل يناير ٢٠١١، للاطمئنان على أحد زملائى المصورين بالشروق، الذين تم القبض عليه وتهشيم كاميرته.
كان هناك أقل من ٥٠٠ شخص بالميدان يطالبون بإعادة التحقيق فى قضية الشاب خالد سعيد الذى ثبت لاحقا أنه تم قتله من قبل بعض عناصر الشرطة.
فى هذا الوقت كانت أقصى أمانى القوى السياسية الثورية منها والمهادنة، هى إقالة حبيب العادلى من منصبه، لو أن حسنى مبارك فعل ذلك وقتها لربما استمر لفترة أطول فى الحكم، أما لو كان مبارك قد أعلن بوضوح رفضه القاطع للتوريث وعين نائبا له، أو حتى أعاد «انتخابات أكتوبر ٢٠١٠ المضروبة»، فربما قلب الطاولة على معظم معارضيه.
لكننا اكتشفنا فيما بعد أن «البلد خربانة بجد» ولا يوجد حل سوى رحيل هذا الحاكم ونظامه.
أتذكر جيدا تصريحات القوى السياسية قبل ٢٤ ساعة فقط من مظاهرات ٢٥ يناير الذى كان يوافق يوم ثلاثاء ــ لمن لا يصدق عليه العودة إلى الأرشيف وقراءة ما قاله زعماء القوى السياسية!! ــ أحدهم قال إنها «لعب عيال»، وجماعة الإخوان أعلنت أنها لن تشارك، ثم قالت إنها ستترك الحرية لأعضائها.
والترجمة العملية الوحيدة لهذه التصريحات ومن خلال المتابعة والاستماع إلى مسئولين كثيرين فلم تكن هناك قوة سياسية صغيرة أو كبيرة لديها يقين بإمكانية سقوط مبارك، إلا إذا كانت هناك قوة قد اتفقت بالفعل مع «الخارج» على هذا الأمر.
الوحيد الذى خرج وغامر وضحى ودفع ثمنا غاليا كان هو الشباب البرىء غير المنظم الذى كان يريد بلدا نظيفا وحكما محترما.
مستعد أن أفهم وأتفهم أى شكوك أو طعن فى بعض الذين قادوا حركة الشباب فى هذه الأيام، لكن المؤكد هو أن غالبية الذين خرجوا كانوا مجموعة من النبلاء الأنقياء الأطهار، بغض النظر عن التطورات اللاحقة.
وبالتالى فالدرس الأكبر هو أن الغضب الشعبى الكامن فى النفوس والصدور قد يستطيع إزاحة أعتى النظم إذا لم يكن هناك عدل ومساواة وحريات.
فى الماضى كان يقال إن التغيير يتم إذا كانت هناك قوى سياسية منظمة، ترافقها ظروف موضوعية مواتية، وأظن أن ذلك ما يزال ساريا، لكن أظن أيضا أن ثورة وسائل التواصل الاجتماعى لعبت دورا كبيرا فى ضعضعة هذه النظرية.
وسائل التواصل الاجتماعى صارت قادرة على لعب دور الأحزاب والقوى السياسية أحيانا، ورأينا نماذج كثيرة خلال الشهور الماضية خصوصا أثناء الأمطار فى الإسكندرية والبحيرة أو إقالة وزير العدل السابق أو تجاوز بعض المذيعين والضيوف فى الفضائيات.
الخلاصة أن الرأى العام صار يلعب دورا كبيرا ونظام الحكم الذكى عليه ألا يتجاهله مهما كان الأمر. كسب الرأى العام لا يكون إلا بالإنجازات على الأرض والأهم بالرضاء العام من الشعب أو غالبيته عن السلطة.