استغلال داعشي للزلازل - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 2:23 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استغلال داعشي للزلازل

نشر فى : الإثنين 20 فبراير 2023 - 7:30 م | آخر تحديث : الإثنين 20 فبراير 2023 - 7:30 م

تأسيا بمسلكه الانتهازى الخسيس إبان جائحة «كوفيدــ19»، وما أعقبها من حرب روسية ــ أوكرانية ضروس؛ لم يتورع تنظيم «داعش» الإرهابى، عن استغلال المأساة الزلزالية المروعة، التى ارتأى الرئيس التركى أن آثارها التدميرية الهائلة فاقت قوة القنابل الذرية. ففى السادس من الشهر الحالى، ضربت جنوب شرقى تركيا وشمال سوريا، موجة زلزالية، كانت الأشد وطأة منذ قرن مضى. ولقد أسفر الزلزال الكبير، بقوة 7.8 درجة، وما تلاه من عشرات الهزات الارتدادية التى تراوحت ما بين 3 و4.7 درجات، على مقياس ريختر، عن وفاة ما يناهز خمسين ألف شخص، وإصابة قرابة مائة ألف، وتشريد ما يربو على خمسة ملايين، والإضرار بحياة ما لا يقل عن ثلاثين مليونا آخرين.
مستغلا انشـغال الحكومات والجيوش والمنظومات الأمنية، فى أعمـال البحث، والإنقـاذ، ورفـع الأنقاض، وإزالة آثـار الزلـزال، انبرى التنظيم الإرهابى، فى مباشرة خروقاته وانتهاكاته المقيتة. ما بين تنفيـذ عمليـات إرهابية، أو ممارسة أنشطة تهريـب العناصر، والأموال، والأسلحة، عبـر الحـدود التركية ــ السورية. وقـد أفادت تقاريـر إعلاميـة سـورية، بتوقيف قوات حـرس الحـدود التركيـة، عددا من السوريين الذين حـاولوا التسـلل مـن قريـة ديـر صـوان بمحافظـة حلـب، بعـد أيـام مـن وقوع الزلـزال. كذلك، عكف التنظيم الإرهابى على مواصلة استقطاب وتجنيد المقاتلين، مستفيدا من أعمال السلب والنهب، التى شهدتها المناطق المنكوبة. سواء من جانب لصوص المحال والمراكز التجارية والمنازل، أو قطّاع الطرق، الذين حاولوا الاستيلاء على الشاحنات المحملة بمواد الإغاثة والمساعدات، قبل بلوغها المناطق المتضررة.
ضمن سياق «استراتيجية العودة»، دأب سجناء «داعش» من «جنود الخلافة» الموقوفين، الذين اكتسبوا قدرات قتالية وفنية فارقة، على التماس سبل الهروب من السجون والمعتقلات المحتجزين بها. توسلا لمعاودة الالتحاق بصفوف التنظيم، وترتيب أوراقهم وتنظيم صفوفهم، توطئة لاستئناف نشاطهم. سواء من خلال إحياء التنظيم الداعشى المهترئ، أو إطلاق نسخة أكثر حداثة. خصوصا مع اتجاه قيادة «داعش» نحو مزيد من اللامركزية، عبر منح صلاحيات أوسع، واستقلالية أكبر لخلاياه النائمة، وذئابه المنفردة حول العالم، ابتغاء ضمان البقاء المؤثر على الساحة العالمية لأطول مدى زمنى ممكن.
بينما كانت قوات سوريا الديمقراطية منشغلة فى التصدى لهجوم تركى خلال أكتوبر الماضى، تسنى لأكثر من 750 شخصا، يشتبه فى انتمائهم لـ«داعش»، الهروب من مخيم عين عيسى فى شمال شرق سوريا. وبعدها بشهرين، هاجم «داعش» مجمعا أمنيا فى الرقة، بهدف تحرير عناصره المعتقلين، داخل السجون. وقد أدى الهجوم الفاشل إلى مقتل ستة من أفراد القوات، التى كانت تتولى حراسة المجمع، تحت قيادة كردية. وفى السابع من فبرايـر الحالى، أى فى اليوم التالى لوقوع الزلزال، نجح عشرون سجينا داعشيا فى الهروب من سجن تابع للشرطة العسكرية، ببلدة راجو، شمال غرب سوريا، قرب الحدود التركية. ذلك الذى يضم نحو ألفى سجين، يشتبه فى انتماء قرابة 1300 منهم، لتنظيم «داعش» الإرهابى، بحسب مصادر أمنية سورية. وذلك بعدما نفذوا عصيانا جماعيا، عقب الزلزال المدمر، الذى تسبب فى تصدع جدران السجن وأبوابه. وعلى أثر ذلك، نجح سجناء «داعش» فى بسط سيطرتهم على أقسام من السجن، وتخريب وخلع الأبواب الداخلية للزنزانات، وإنشاء فتحات فى جدران المهاجع، وفرض هيمنتهم على الطابق الأرضى للمبنى. الأمر الذى مكن عشرين إرهابيا سجينا، على الأقل، من الفرار. ولم يحل دون تفاقم تلك الفوضى، سوى تدخل قوات «مكافحة الإرهاب» التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، بدعم من طائرات التحالف الدولى، بقيادة واشنطن، والتى أحكمت سيطرتها على المنطقة.
فـى الثانى عشر من الشهر الجـارى، وبعد قرابة أسبوع على وقوع الزلزال العنيف. وبينما كانت مؤسسات الدولة السورية منهمكة فى التعاطى مع آثاره الكارثية، أقدم التنظيم الإرهابى، على شن هجوم ضد ريف حمص الشرقى، بمدينـة تدمـر، وسط سوريا. وذكر المرصد السورى لحقوق الإنسان، أن الهجوم استهدف نحو 75 شخصا كانوا يعملون فى جمع الكمأة، ما أدى إلى مقتل عشرة مدنيين، بينهم امرأة. إضافة إلى عنصر من قوات الجيش السورى، فيما لا يزال آخرون فى عداد المفقودين. ومنذ إعلان القضاء على دولة الخلافة المزعومة للتنظيم الإرهابى، وخسارته جميع مناطق سيطرته عام 2019، انكفأ «داعش» إلى البادية السورية الممتدة بين محافظتى حمص ودير الزور عند الحدود مع العراق، وتحصنت عناصره بمناطقهما الجبلية الوعرة. ويستغلّ التنظيم، خروج سكان المناطق الريفية النائية فى وسط سوريا من أجل جمع الكمأة تمهيدا لبيعها، حتى يشن هجماته ضدّهم، بحسب المرصد. بموازاة ذلك التهديد، يواجه المدنيون خلال موسم جمع الكمأة خطرا آخر. يتمثّل فى الألغام التى زرعها التنظيم فى مناطق صحراوية شاسعة، كانت خاضعة لسيطرته، قبل طرده منها.
يوم الجمعة الفائت، أفاد التلفزيون السورى، بمقتل أكثر من 50 مواطنا سوريا جراء هجوم نفذه تنظيم «داعش» فى ريف حمص الشرقى. حيث تنشط بعض جيوب التنظيم الإرهابى هناك، منذ سنوات، مستهدفة المدنيين والعسكريين على حد سواء. وفى ذات اليوم، أعلن بيان لوزارة الدفاع الأمريكية، مقتل القيادى فى تنظيم «داعش» الإرهابى، حمزة الحمصى، وإصابة أربعة جنود أمريكيين. وذلك أثناء غارة بطائرة هيليكوبتر، فى شمال شرقى سوريا، شنها الأمريكيون بالتعاون مع «قوات سوريا الديمقراطية».
رغم ما يبديه النظام، والمعارضة، والأكراد، فى سوريا من بعض المرونة، يؤكد المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية، أن إيصال المساعدات والمواد الإغاثية لمتضررى الزلزال، من الأراضى التى تسيطر عليها الحكومة السورية، إلى المناطق المنكوبة الخاضعة للمعارضة، لا يزال متعثرا. وأرجعت المنظمة الأممية الأمر، إلى تعنت «هيئة تحرير الشام»، التى كانت تعرف فيما مضى، بـ«جبهة النصرة»، وتصنفها دول شتى بـ«الإرهابية». حيث تمثل فرع تنظيم القاعدة فى سوريا، وتسيطر على أغلب ريف حلب الشمالى ومحافظة إدلب، التى تتخذ منها عاصمة لها.
تزامن حدوث الانتهاكات والممارسات الإرهابية الداعشية، كما الخروقات التى تقترفها جبهة النصرة، على وقع الكوارث الزلزالية، التى عصفت بتركيا وسوريا أخيرا. مع احتفال المجتمع الدولى باليوم العالمى لمنع التطرف العنيف المٌفضى إلى الإرهاب. حيث سبق أن أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، فى 20 ديسمبر 2022، إقرار يوم 12 فبراير من كل عام، يوما دوليا لمنع التطرف العنيف المفضى إلى الإرهاب. وذلك فى إطار المساعى العالمية للتوعية بمخاطره، وحشد التعاون الدولى من أجل مجابهة تهديداته.
دونما مواربة، سلطت زلازل شرق المتوسط الأخيرة، الضوء على تصاعد التهديدات المرتبطة بالكوارث الطبيعية فى مجتمع المخاطر العالمى. الأمر الذى يستلزم تبنى استراتيجية ناجزة للتحصين الوقائى. تتضمن تفعيل آليات الإنذار المبكر، وتنشيط التحركات الاستباقية لتحجيم المخاطر والخسائر المرتبطة بمثل هذه النوعية من التهديدات الأمنية غير التقليدية. خصوصا فى ظل الدلالات والمؤشرات المقلقة، التى أفصح عنها الكابوس الزلزالى الأخير، الذى أقض مضاجع الأتراك والسوريين، وأدمى قلوب العالمين.
أما وقد بات يشكل تهديدا جوهريا للسلم والأمن الدوليين، فقد غدت مكافحة التطرف العنيف أولوية عالمية بامتياز. فعلاوة على كونه يمهد السبيل للإرهاب، ويتسبب فى إعاقة وتقويض، مشاريع التنمية الاقتصادية؛ تراه ينال من التماسك الاجتماعى، ويغذى فقدان الثقة فى الحكومات، كما يؤجج الكراهية والانقسام. وبناء عليه، تتطلب مكافحة التطرف العنيف، الذى يفضى إلى الإرهاب، تضافرا عالميا، ومقاربة تكاملية متعددة الأوجه. بحيث تتسع مظلتها لتشمل؛ برامج التوعية، والتعليم، والتمكين الاقتصادى، التى يمكن أن تساعد على تحريرالأفراد والمجتمعات، من براثن الشعور بالتهميش، والفاقة، واليأس. مثلما يعين على بناء الثقة، ومد جسور التواصل والحوار البناء، ونشر ثقافة التنوير. الأمر الذى من شأنه تجفيف المنابع المغذية للفكر الظلامى، الذى يمهد لتفشى التطرف والإرهاب.

التعليقات