(عك) دستورى! - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 1:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

(عك) دستورى!

نشر فى : الأربعاء 21 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 21 مارس 2012 - 8:00 ص

لم يكن النبأ الحزين بوفاة البابا شنودة، الذى أشاع جوا من الأسى فى مصر، دفع الآلاف إلى التعبير عن عزائهم لفقد البطريرك الراحل، حائلا دون إبداء معظم القوى السياسية وطائفة معتبرة من أساطين القانون استنكارهم ورفضهم للطريقة التى تشكلت بها الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور. واستشعر الرأى العام فيها رائحة الخديعة وعدم التفاؤل لما يمكن أن يؤدى إليه العبث فى وضع الدستور، عن طريق احتكار مجموعة حزبية بعينها لمقاليد الأمور فى اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية مناصفة بين مجلسى الشعب والشورى.. على نحو وصفه رجال القانون بأنه اغتصاب للسلطة!

 

وقد تركزت الانتقادات التى وجهت إلى الجمعية التأسيسية بأن اختيار أعضائها، سواء كانت نسبة الـ50 بالمائة من داخل المجلس بغرفتيه أو الـ50 بالمائة من خارجه، سوف تسيطر عليه الأغلبية من الإخوان المسلمين وحزب النور، وهما التياران الرئيسيان اللذان تفاوضا وارتضيا فيما بينهما هذه القسمة كحل وسط بين الحزبين، بعد أن كان حزب النور يصر على تمثيل أعضائه بنسبة 70 بالمائة. وهو ما يدل على تنافس الطرفين على الحصول على نسبة تضمن لهما تحقيق أطماعه السياسية.. الأمر الذى يخرج الدستور عن حياده كوثيقة دائمة وعابرة لكل الظروف والتقلبات، بعيدة عن أهواء حزب أو فصيل سياسى بعينه.

 

وفى الوقت نفسه، أهمل التشكيل تحديد طريقة تمثيل بقية طوائف المجتمع وفئاته وأحزابه.. وترك النصف الثانى لتصويت الأغلبية من الإخوان والنور. دون تحديد: هل يترك للنقابات والهيئات والمؤسسات ترشيح ممثليها، أم يكون للأغلبية فى مجلسى الشعب والشورى حق الترشيح والاختيار؟

 

بهذه الطريقة لن يكون للشعب الكلمة الأولى فى اختيار ممثليه فى كتابة الدستور، بل سيصبح مسألة انتقائية.. وليست هناك إجابة واضحة عمن يمثل المرأة والأقباط ورجال الدين وكيف يجرى ترشيحهم؟

 

وربما كان أوضح نقد وجه إلى الجمعية التأسيسية للدستور ما صرحت به المستشارة تهانى الجبالى بقولها: إنه لا يجوز لسلطة ينشئها الدستور أن تشارك فى إنشائه. بمعنى أنه لا يجوز مشاركة السلطات التى ينظمها الدستور فى الهيئة التى تتولى إنشاء الدستور ذاته.. كما أن اختيار أعضاء البرلمان فى الوقت الذى لم تنظر فيه بعد الطعون المتعلقة بالعضوية لدى محكمة النقض، ينذر بإمكانية بطلان عضوية بعض هؤلاء الأعضاء أو ربما البرلمان بأكمله. وبعبارة أخرى قد يتم انتخاب أعضاء للجمعية التأسيسية يثبت بطلان عضويتهم لاحقا!

 

كان من المفروض أن توضع المعايير الكفيلة بكتابة الدستور على نحو يرضى جميع طوائف الشعب، وتقوم على صياغته مجموعة من خبراء القانون وممثلى النقابات والمؤسسات والجامعات والهيئات المختلفة لطرحه فى صياغته النهائية على مجلسى الشعب والشورى، تمهيدا لإجراء تصويت شعبى عام عليه. بحيث تنتفى عنه أى صفة للانحياز أو فرض إرادة تيار واحد بتوجهاته التى قد تتعارض مع الدولة المدنية!

 

من الملاحظ أن المجلس العسكرى نأى بنفسه تماما عن تحديد المعايير الضرورية لاختيار أعضاء تأسيسية الدستور، وهو ما يعنى إطلاق يد الأغلبية البرلمانية بتوجهاتها الحزبية من الحرية والعدالة والنور، فى وضع الدستور بالطريقة التى تحلو لهم.

 

ومن المؤكد أن ما يحدث من «عك» دستورى فى هذه الظروف الدقيقة، قد ترك حالة من البلبلة وعدم الثقة فى مجريات الأمور. ضاعفت منه مناورات الأغلبية البرلمانية من الحرية والعدالة فى محاولة إسقاط حكومة الجنزورى وسحب الثقة منها، دون مبرر ظاهر إلا الرغبة فى القفز إلى مقاعد السلطة.. وذلك فى ظل ظروف اقتصادية وأوضاع سياسية مهزوزة، تشعلها انفلاتات أمنية غامضة، وسباق انتخابى على منصب الرياسة لا تعرف نهايته!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات