من بين كل الوزراء المحتمل أن يشملهم التعديل الوزارى القريب جدا، فإن شخص وزير العدل الجديد لابد أن يخضع لحسابات دقيقة جدا، نظرا للملابسات المعقدة التى صاحبت هذا المنصب منذ ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، وحتى إقالة المستشار أحمد الزند مساء الأحد قبل الماضى، وذلك كى نتمكن من تجاوز الحالة الراهنة التى خلفتها الأحداث الأخيرة.
وزير العدل الجديد لابد أن يتمتع بمجموعة من المواصفات هى:
الصفة الأولى: أن يكون شخصا لديه قبول عام من المجتمع وخصوصا غالبية القضاة والمستشارين ووكلاء النيابة وموظفى وزارة العدل.
ثانيا: يرتبط بالصفة السابقة ألا يكون مسيسا أو منتميا لتيار سياسى. نعرف أن الأصل فى القضاة ألا يظهروا انتماءاتهم السياسية، وبالتالى حتى لو كان الوزير الجديد ذا هوى، فعليه ألا يظهره للناس، وألا نشعر به نحن عموم المواطنين.
ثالثا: أن تكون مهمة الوزير الجديد إعادة وزارة العدل إلى دورها الطبيعى. لأسباب كثيرة أهمها الاستقطاب.. وقد لعبت وزارة العدل، بل بعض القضاة دورا سياسيا منذ ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١. وكان للقضاة والمستشار أحمد الزند دور بارز ومقدر فى إزاحة حكم الإخوان. هذا الدور لعبته أيضا وزارات وهيئات ومؤسسات كثيرة فى المجتمع.
الآن يفترض أن الحكم قد استقر، وصار لدينا مؤسسات منتخبة. لدينا مجلس نواب ورئيس للجمهورية وحكومة، وبالتالى فإن أى دور سياسى خارج نطاق مؤسسات الحكم الطبيعية يبدو كأنه جزيرة منعزلة أو محاولة لخلق مراكز قوى جديدة، هى آخر ما يحتاج إليه المجتمع فى هذا الوقت.
رابعا: ونحن نحاول إعادة الوزارة إلى دورها الفنى الطبيعى لخدمة العدالة، فإن ذلك يتطلب إبعاد كل ذوى الانتماءات السياسية الزاعقة ــ سواء كانت فى هذا الجانب أو ذاك ــ عن المناصب المؤثرة داخل الوزارة، لكى نبعد الاستقطاب داخل هذا المرفق الحساس والذى قد يهدد بالانتقال إلى بقية المؤسسات القضائية، وإذا انتشر ذلك لا قدر الله، فقل على الدنيا السلام.
خامسا: يحسن وزير العدل الجديد صنعا إذا حاول جبر خواطر كل من تعرض للظلم داخل المؤسسة القضائية، لا أتحدث فقط عن خصومات وزير العدل السابق، بل عن كل الخصومات الشخصية والسياسية داخل هذه الوزارة منذ ثورة يناير، وأن يكون ذلك بطبيعة الحال فى إطار القانون والدستور.
سادسا: نحتاج إلى أن يتمتع الوزير الجديد بصفات إنسانية عامة مثل احتواء الجميع، وأن يكون هادئا وصبورا ومستوعبا للأوضاع الراهنة، ألا يكون انتقاميا، فإذا كنا نطالب بجبر خواطر الجميع، فلا يعقل أن يكون هناك موقف حاد من أولئك المحسوبين على المستشار أحمد الزند داخل الوزارة.
سابعا: إذا كان من المهم استمرار الوزير الجديد فى نهج الزند والخاص بتلبية احتياجات القضاة المعيشية، فإن الوزير الجديد يفترض أن يركز أيضا على النهوض بالمستوى العلمى والفنى والمهنى للقضاة. فى الماضى كنا نتباهى بالقامات السامقة والشامخة للقضاة فى الحديث والبلاغة والفصاحة والكتابة والمرافعة، الآن وللأسف الشديد بعض القضاة لم يقرأ كتابا فى حياته، ولا يعرف كيف يكتب مرافعة أو حتى يتحدث العربية بطلاقة، ويخطئ فى كتابة الأحكام، مما يهدر وقتا كبيرا فى إجراءات التقاضى، بل يتعرض بعض المتهمين للظلم من جراء هذا المستوى المتدنى.
ثامنا: أن يدعو الوزير الجديد إلى مؤتمر قومى للعدالة إلى إصلاح أحوال مرفق القضاء المتراكمة منذ سنوات طوال، لأنه من دون عدالة ناجزة فلا أمل فى إصلاح أى مرفق آخر فى الدولة.
تاسعا: أن يحاول الوزير الجديد إقناع القضاة بالتوقف مؤقتا عن الحوارات الإعلامية الكارثية والتى تسببت فى الإساءة ليس فقط إلى صورتهم، بل إلى فكرة العدالة ذاتها.
عاشرا واخيرا: أن يقنع الوزير الجديد القضاة بأنهم جزء من المجتمع، مثلهم مثل أى قطاع أو فئة أخرى كالأطباء والمهندسين والضباط والصحفيين والمحامين، وليس على رأسهم ريشة وليسوا فوق المجتمع، صحيح أن لهم دور مهم فى تطبيق القانون، لكن ذلك لا يعطيهم الحق فى التعالى على الآخرين.
كل التوفيق للوزير الجديد فى مهمته الصعبة.