نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للكاتب شادى محسن، تناول فيه موقف المؤسسات الأمنية والسياسية الإسرائيلية من تطورات الوضع فى السودان.. نعرض من المقال ما يلى.
يعد السودان ــ المطل على البحر الأحمر ــ أحد أهم الدول التى تسعى إسرائيل لضمها إلى دائرة العلاقات الإبراهيمية الجديدة، وأحد تطبيقاتها الأمنية وهو منتدى النقب للأمن الإقليمى.
طبيعة التعاطى الإسرائيلى مع خريطة المشهد السودانى
تنقسم المؤسسات السياسية والأمنية فى إسرائيل إلى معسكرين اثنين رئيسيين فى التعاطى مع الملف السودانى. المعسكر الأول، يشمل مجلس الأمن القومى، ومكتب رئيس الوزراء، ووزارة الخارجية. فى حين يمثل الموساد معسكرا بذاته فى التعاطى مع الملف السودانى.
لا يتقارب الفريقان الإسرائيليان فى وجهات النظر؛ نتيجة التعقد العميق الذى يغلف المشهدين السياسى والأمنى فى السودان. إذ يوفر قائد الجيش السودانى عبدالفتاح برهان بعضًا من الضمانات السياسية والأمنية لإسرائيل، على عكس قائد قوات الدعم السريع محمد دقلو الذى يتماس فى بعض النقاط السلبية مع إسرائيل. على الرغم من ذلك، يقدم الموساد الإسرائيلى رهانًا سياسيًا وأمنيًا على قوات الدعم السريع على أساس بعض الاعتبارات الجارى توضيحها.
ويرجع هذا التنافس فى أحد عوامله إلى أن هناك شبكة من رجال الأعمال فى قطاعات الاتصالات، والأمن السيبرانى، والزراعة كانوا ضباطًا سابقين فى الموساد، وهم على علاقة بأمراء الحرب فى أفريقيا وبالتحديد فى دول الصحراء.
موقف إسرائيل من عبدالفتاح برهان
قبل عودة نتنياهو إلى الحكم مرة أخرى فى إسرائيل، كان يسيطر على المؤسسات الأمنية الإسرائيلية تنافسًا خفيًا بهدف السيطرة على ملف التطبيع مع الدول الأفريقية وبالتحديد دولتى السودان والمغرب.
يراهن مجلس الأمن القومى الإسرائيلى ووزارة الخارجية الإسرائيلية، على عبدالفتاح البرهان كونه القائد الأول للقوات السودانية، والذى بيده التصديق على وثيقة التطبيع مع إسرائيل، ومتماشيًا مع التقارب مع الولايات المتحدة.
لا يتبنى البرهان موقف التقارب مع روسيا وفتح المجال أمام إنشاء قاعدة روسية تطل على البحر الأحمر، بل يتبنى التقارب مع الولايات المتحدة من أجل رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، وضخ الاستثمارات فى الاقتصاد السودانى المتهالك، والسماح بشراء أسلحة تعزز من قوة الجيش السودانى الضعيف نسبيًا أمام قوات الدعم السريع.
أما فيما يتعلق بعلاقة السودان بجيرانه من الدول الأفريقية، فإن عبدالفتاح البرهان يضمن لإسرائيل استراتيجية سياسة خارجية ناجحة مع دول مثل التشاد، وأفريقيا الوسطى. إذ تستطيع إسرائيل أن تخترق مثلث دول السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى عبر استراتيجية الأمن الغذائى مقابل مكافحة الإرهاب، ويستدل عليه فى زيارة وزير خارجية إسرائيل بعد يومين فقط من إتمام اللقاء الذى جمع البرهان والرئيس التشادى (فبراير 2023)، وهى الزيارة التى لم تجرى بتنسيق مع محمد دقلو وأعلن عن عدم علمه بها.
موقف إسرائيل من محمد دقلو
تتنامى المؤشرات التى تدل على دعم الموساد الإسرائيلى لقائد قوات الدعم السريع محمد دقلو، مثل تسريب نبأ منح الموساد الإسرائيلى أجهزة تجسس لـ دقلو بغرض اختراق اتصالات قادة فى الجيش السودانى، (رغم نفى دقلو لهذا الخبر). وكذلك زيارة دقلو لإسرائيل مرتين فى عامى 2020 و2021 ولقائه بضباط من الموساد.
وفى 2021، تلقت حكومة بينيت ــ لابيد فى إسرائيل اتصالات تعبر عن استياء سودانى واضح بسبب اللقاءات السرية التى يجريها الموساد مع محمد دقلو. واعتبر البرهان وحمدوك هذه الاتصالات حينها تآمرًا من «الموساد» على السلطات الشرعية فى السودان.
يدرك الموساد القوة النسبية التى تحيط بقوات الدعم السريع مقارنة بالجيش السودانى، الذى يفقد السيطرة فى الغرب حيث إقليم دارفور المشاطئ لحدود تشاد وجنوب ليبيا. وتجدر الإشارة إلى أن محمد دقلو يسهل للموساد لقاء المجلس الرئاسى الانتقالى فى تشاد سرًا.
كما أن فرص عقد اتفاق سلام بين محمد دقلو وقادة الفصائل المسلحة المتعددة مثل «الحلو» و«عبدالنور» جيدة، تمكن تحقيق فرص نجاح لفرض هدوء واستقرار أمنى فى غرب السودان.
تلقت إسرائيل تنسيقًا سياسيًا أمريكيًا، وذلك عقب تسرب الأخبار التى تكشف اتصالات الموساد مع قوات الدعم السريع على حساب الجيش الإسرائيلى، وطلبت واشنطن من إسرائيل فتح اتصالات مكثفة مع المكون المدنى فى السودان. لذلك يرى الموساد أن حجم التفاهم الذى يربط محمد دقلو بالمكون المدنى، أكبر من التفاهم الذى بين عبدالفتاح برهان والمدنيين السودانيين. وعليه، تستطيع إسرائيل ضمان اتصال ناجح مع المدنيين عبر العلاقة الوثيقة التى تربط الموساد ومحمد دقلو.
مسارات الحركة الإسرائيلية المحتملة
ــ اتصف الموقف الإسرائيلى والتعاطى مع ملف السودان بـ «التنافس الداخلى» فى إسرائيل بين الموساد من جهة، ورئاسة الوزراء ومجلس الأمن القومى ووزارة الخارجية من جهة أخرى، خاصة فى ظل حكومة بينيت ــ لابيد.
ــ لا يمكن وصف هذا التعاطى الإسرائيلى فى الوقت الحالى فى ظل حكومة نتنياهو بـ «التنافس»؛ نتيجة التقارب الحاصل بين رئيس الموساد ونتنياهو، وذات التقارب والتفاهم بين نتنياهو و«إيلى كوهينط وزير خارجية إسرائيل، أما مجلس الأمن القومى فهناك تفاهم فى وجهات النظر بين رئيسه «تساحى هانجبى» ونتنياهو، خاصة بعد أزمة الإصلاح القضائى فى إسرائيل.
ــ تتراكم مجموعة من المؤشرات التى تمنح إسرائيل صفة «اللاعب المركزى» فى وساطة محتملة فى المشهد السودانى الأخير فى حال أعلنت إسرائيل عن ذلك.
ــ تحتل إسرائيل مكانة جيدة لدى رئيس المجلس الانتقالى «عبدالفتاح برهان»، وقائد قوات الدعم السريع من خلال الموساد.
ــ لا يتبقى لإسرائيل سوى كسب علاقة جيدة مع المكون المدنى فى السودان، الذى يرفض التطبيع مع إسرائيل بدون حل القضية الفلسطينية. يستدل على ذلك حرص محمد دقلو على وصف التقارب مع إسرائيل بـ«العلاقاتط وليس «التطبيع»، على عكس موقف البرهان الذى ينادى بالتطبيع المباشر مما أفقده بعض الشعبية الداخلية فى الشارع السودانى.
ــ لذلك من المرجح أن تكثف إسرائيل اتصالات على مستويين رسمى وسرى مع قيادات المكون المدنى.
• • •
تستفيد إسرائيل من إعلان الوساطة بين الأطراف السودانية من أجل تحقيق الأهداف (فى الوقت الحالى) التى ارتسمت فى الدوافع سابقة الذكر، وهى:
ــ فرض الهدوء والاستقرار الأمنى فى أرجاء السودان، خاصة من ناحية الحدود الإثيوبية، وحدود تشاد لمواجهة تدفق اللاجئين واللاجئات، مما يتطلب الكثير من التنسيق الأمنى مع القادة العسكريين.
ــ فتح تنسيق أمنى مكثف بشأن حدود السودان المطلة على البحر الأحمر؛ لتحييد خطر حضور إيرانى عسكرى. إذ يعد السعى الإسرائيلى الحثيث بضم السودان إلى منتدى النقب للأمن الإقليمى، انعكاسًا لرغبة إسرائيل فى الوجود فى البحر الأحمر والتنسيق بشأن الحضور الروسى والإيرانى العسكرى.
يتراءى التقدير لدى إسرائيل والقيادة المركزية الأمريكية فى الشرق الأوسط «سنتكوم»، أنه كلما زاد الصراع الإسرائيلى ــ الإيرانى أصبح هناك احتمال بتحول البحر الأحمر إلى مسرح عمليات إيرانية معادية لإسرائيل، علاوة على أن الحضور الروسى فى البحر الأحمر قد يصاحبه تعزيز حضور عسكرى إيرانى فى المنطقة. ويستدل على تلك المؤشرات بالإشارة إلى إبحار غواصة استراتيجية أمريكية واستقرارها فى أعماق البحر الأحمر بعد حدثين وهما: إطلاق الصواريخ من لبنان وسوريا على إسرائيل، ورسو سفينة روسية على موانئ السعودية.
النص الأصلى:
http://bitly.ws/Dejk