إياك أن تتسرع وتحمل الثورة مسئولية ما يجرى فى سيناء، أنت تعلم أن الجيش المصرى يخوض حربا فى شبه الجزيرة ضد العناصر المتطرفة، التى تسعى للسيطرة على مواقع فى سيناء لتكريس وجودها، هناك من يحاول أن يخلق من هذه المنطقة «تورا بورا» جديدة، وهى محاولات قديمة كما تعرف وليست وليدة اللحظة، ناهيك عن أن هذه الحرب يصاحبها توتر فى الجهة الأخرى من الحدود، وتشابك نيرانى بفعل القرب غير المسبوق بين القوات المصرية ونظيرتها الإسرائيلية، أدى إلى استشهاد وإصابة جنود مصريين تقول إسرائيل ومعها خبراء استيراتيجيون محسوبون على المؤسسة العسكرية إن النيران الإسرائيلية طالتهم بطريق الخطأ.
أولا أريدك أن تلاحظ التصريحات الأمريكية السابقة، التى قالت إنه لا يوجد فى كامب ديفيد ما يمنع الجيش المصرى من بسط سيادته على كامل أراضى سيناء، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لضمان أمنها، وأنه ليس معنى أن النظام السابق أحجم عن ذلك طوال الثلاثة عقود الماضية أن مصر ليس من حقها بسط سيادتها لتعزيز أمنها وأمن جيرانها.
وهنا تحديدا مربط الفرس، فقد تعامل النظام السابق مع سيناء بنفسية مهزوم وليس منتصرا، وتحسس بحذر شديد خطواته فيها، متحسبا لغضب إسرائيل أو انزعاجها، وجزء من هذا الإحساس المنهزم والمنكسر أمام إسرائيل كان يعبر عنه الرئيس السابق نفسه صراحة فى بعض أحيان كان يقول: «لن أضع رأسى فى فم الأسد» واصفا إسرائيل.
كل ذلك حول سيناء، خاصة الشمال والوسط فى ذهنية النظام إلى شريط حدودى ضخم يفصل مصر عن إسرائيل، فحولها بممارساته السياسية والإدارية والأمنية إلى منطقة معزولة عن الوطن الأم، منزوعة السلاح والسيادة، وعبء أمنى يواجه بقمع أهلها وسكانها، والإمعان فى هذا العزل بالتعامل مع مواطنيها وكأنهم أجانب أو مواطنون من الدرجة الثانية مشكوك فى ولائهم وجنسياتهم دائما.
جزء كبير من الانفلات الأمنى فى سيناء كان موجودا فى عهد النظام السابق، حتى الجنود المصريين كانوا يلقون مصيرهم على الحدود برصاص إسرائيلى غادر، دون رد مصرى يتجاوز الغضب اللفظى أو يحصل على ضمانات لعدم تكرار «القتل غير المقصود»، الذى بدا وكأنه هواية إسرائيلية.
ما يحدث فى سيناء الآن ما هو إلا حصاد 30 عاما من حكم مبارك، كبل فيها الإرادة المصرية عن بسط سيادتها على جزء من الوطن، وعطل اندماجها بالوطن، وعاملت أجهزته الأمنية أهلها بأسوأ معاملة يمكن أن يلقاها مواطن من نظام بوليسى مستبد، وترك جبالها ومغاراتها مرتعا للخارجين والمتطرفين، بدعوى أن كامب ديفيد تغل يديه، وتجاوزها يعنى استفزاز الأسد الإسرائيلى.
دفعت مصر كلها ثمن 30 عاما من هذه السياسة، والأزمة فى سيناء ورثتها الثورة كما هى بكل تعقيداتها وانفلاتاتها، فلا تحاول أن تلقى قدرا من المسئولية على ثورة قامت لتحررك من هذه الإرادة المقيدة، وإذا كان لابد من إقحام الثورة فيما يجرى على أرض سيناء، فتذكر أنها التى فتحت الطريق ليكون الجيش المصرى عند آخر نقطة على الحدود، يسترد السيادة الوطنية الكاملة على أرض الشهداء!