هناك مفارقة عجيبة يقع فيها أنصار الإخوان، هى أنهم من جهة يجزمون بأن الجماعة لا علاقة لها من بعيد أو قريب بالعمليات الإرهابية، لأنها «جماعة سلمية ومنظمة»، وأن تنظيمهم لايزال قويا فعالا. ومن جهة ثانية يقولون إن عمليات المطاردة الأمنية والقبض والمحاكمات الواسعة التى تتعرض لها الجماعة منذ يوم 3 يوليو من العام قبل الماضى، قد فصلت رأس التنظيم عن جسده، وبالتالى فإنه لا يمكن للقيادة أن تتحكم فى التصرفات الفردية للأعضاء على الأرض لأنها باختصار لا تستطيع الوصول إليهم، ثم إنها لا تستطيع إجبارهم على تبنى سياسة سلمية مادامت الحكومة لا تقدم مبادرة تلبى الحد الأدنى من مطالب الجماعة.
مفكرو ومنظرو الجماعة يقعون فى هذا التناقض بصورة شبه يومية، هم يؤكدون كل لحظة ان الجماعة «سلمية وستظل سلمية»، فى ترديد لمقولة المرشد محمد بديع «ثورتنا سلمية وستظل سلمية»، وفى اليوم التالى يقولون إن التضييق على الجماعة قد يؤدى إلى قيام أفرادها بعمليات عنف غير محسوبة إذا لم تبادر الدولة بتقديم أى حل مرض للجماعة.
بعد الإعلان عما يسمى بتنظيم «كتائب حلوان» تشككت مثل كثيرين فى حقيقة وجوده وحتى هذه اللحظة لا أملك أى معلومة يقينية تؤكد هل هو حقيقى أم «تايوانى».
وبعد الاطلاع على التبريرات الإخوانية التى تشكك فى وجوده تماما وتعتبره «فبركة أمنية»، سألت خبيرا فى الإسلام السياسى لم يعرف عنه أى تعاطف مع الأجهزة الأمنية فقال لى إنه يرجح أن هذا التنظيم حقيقى، لكنه ليس بالضرورة تشكل بعلم من قيادات الاخوان. هو يرى أن الضربة التى تلقتها الجماعة كانت شديدة ومؤثرة، وبالتالى فإن هناك احتمالين: الأول أن يكون أفراد مثل هذه التنظيمات من شباب الإخوان اليائسين الذين يتأثرون بالجماعات المتطرفة المنظمة خارج مصر ويعتقدون ان بث هذا الأمر تليفزيونيا سيرفع معنويات أنصارهم، كما تفعل داعش مثلا فى العراق وسوريا.
أما الاحتمال الثانى فهو انتماء هذه المجموعة إلى جماعات على هامش الحركة السلفية، وليس شرطا أيضا أن يكون هذا الأمر بعلم قيادات الدعوة.
أحد المقربين من الإخوان حكى لى قبل أربعة ايام ما يعتقد أنه حال شباب الجماعة فى إحدى المحافظات الساحلية. تقديره أن جزءا من شباب الجماعة اعتزل العمل السياسى بأكمله يأسا، وجزء آخر لايزال ينزل فى المظاهرات القليلة، ويعتقد أن هناك أفرادا يشعرون بظلم شديد مما يحدث، وهؤلاء يمكنهم أن يلجأوا إلى العنف.
خلاصة القول أن ما نعتقد أنه مسلمات لم يعد كذلك. فالصورة تتغير كل لحظة، والكلام الجاهز والمعلب بأن الجماعة «سلمية وزى الفل» ليس دقيقا، كما أن اتهام الأجهزة الأمنية لها بالوقوف وراء أعمال إرهابية فور حدوثها ينبغى أن يخضع للتدقيق والمراجعة.
الحكومة وأجهزتها مطالبة أمام الرأى العام أن تقدم أدلة دامغة تربط الإخوان بالعمليات الإرهابية إذا كان الأمر صحيحا.
أعلم أن الإخوان هم الأكثر استفادة من العمليات الإرهابية لأنهم يعتقدون أنها ستؤدى إلى انهاك الدولة وبالتالى يعود لهم الحكم أو على الأقل يسقط النظام الحالى. لكن الاتهام السياسى شىء، والاتهام القانونى شىء آخر، وهو يحتاج إلى أدلة موثقة تربط بين الشخص والجريمة.