روسيا تدمر غذاءها - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:27 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

روسيا تدمر غذاءها

نشر فى : الخميس 20 أغسطس 2015 - 9:25 ص | آخر تحديث : الخميس 20 أغسطس 2015 - 9:25 ص

نشر موقع ستاتفور مقالا تحليليا يتناول خلاله الأمن الغذائى فى روسيا ووضعه بعد العقوبات الاقتصادية التى فرضت عليها وسياسات الحكومة الروسية تجاه هذه العقوبات، مرجحا اندلاع أزمة نتيجة تلك السياسات. يبدأ المقال عرضه لقضية الأمن الغذائى بتوضيح دور السياسة فى ذلك، حيث يبين أن استعراض روسيا للقوة أخيرا تجاه الغرب ربما يأتى على حساب استقرارها الداخلى. ففى السابع من أغسطس، أمر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بإطلاق حملة ضد انتهاكات عقوبات المواد الغذائية التى فرضها الكرملين ضد الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، تم خلالها تدمير بعض المواد الغذائية المستوردة بطريقة غير مشروعة. ولا تحظى هذه الخطوة بشعبية كبيرة بين المسئولين والجمهور فى روسيا. ومنذ انخفاض الواردات الغذائية إلى روسيا بأكثر من النصف فى غضون يوم واحد من قرار بوتين، انتقد كثيرون الكرملين لتدميره المواد الغذائية بينما يتعرض الروس إلى ضغوط متزايدة مالية واقتصادية. وسوف تتصاعد الاحتجاجات إذا استمر الكرملين فى ملاحقة من لا يستجيبون للأمر.

• الاستهانة بالعقوبات

يوضح المقال أن روسيا قد فرضت عقوبات على العديد من المنتجات الغذائية الغربية فى الخامس من أغسطس 2014، ردا على العقوبات المفروضة عليها من قبل معظم الدول الغربية بسبب الإجراءات الروسية فى أوكرانيا. وعلى الرغم من حظر بعض الأطعمة، ساهمت العقوبات ــ ناهيك عن تقلبات أسعار العملات ــ فى زيادة متوسط أسعار الأطعمة والمواد الغذائية بنسبة 20 فى المائة عن العام الماضى. وارتفع سعر بعض السلع الأساسية، مثل الكرنب أكثر من 60 فى المائة فى أوائل 2015.

ويشير المقال إلى أنه فى بداية الأمر، تعهد الكرملين بوقف ارتفاع الأسعار، وزيادة الإنتاج المحلى واستيراد المواد الغذائية من مصادر جديدة. وزادت واردات الفواكه والخضراوات من الدول الأوروبية خارج الاتحاد الأوروبى، مثل صربيا ومقدونيا، بنسبة تتراوح بين 35 و200 فى المائة خلال العام الماضى.

غير أن السوق السوداء خففت من تأثير العقوبات. ومن أجل التحايل على الحظر، بدأت البلدان المحظور عليها التصدير إلى روسيا، شحن البضائع عبر روسيا البيضاء وكازاخستان. ويستدل المقال على ذلك بما ذكرته رابطة المنتجات الطازجة فى الاتحاد الأوروبى بأن صادرات المنتجات الغذائية إلى روسيا البيضاء، ارتفعت بنسبة 141 فى المائة، وإلى كازاخستان بنسبة 108 فى المائة خلال الأشهر الستة الأولى من إعلان العقوبات؛ ثم قامت البلدان بإعادة تصدير الكثير من هذه المنتجات إلى روسيا.

وفى أوائل عام 2015، عندما أغلقت روسيا أخيرا هذه الثغرة، وبدأت دول إعادة التصدير، وتزوير بيانات بلدان المنشأ على الشحنات غير المشروعة. وبرغم إدراك الحكومة الروسية أن الوثائق مزورة، تصر لجنة مراقبة الواردات الزراعية على مواجهة ذلك. حيث صادرت اللجنة أخيرا 73 طنا من الخوخ معها شهادات كاذبة منسوبة لتركيا فى حين أنها قادمة فى الواقع من الاتحاد الأوروبى. وفى السادس من أغسطس، أحرقت نفس اللجنة فى سان بطرسبرج 20 طنا من الجبن الألمانى مكتوبا عليها منتج من روسيا. ومنذ أطلق بوتين الحملة، دمرت اللجنة آلاف الكيلوجرامات من المواد الغذائية المستوردة فى انتهاك للعقوبات الروسية.

ويؤكد المقال أن هذا جزء بسيط بالنسبة لما تم استيراده بطريقة غير مشروعة. ووفقا لرئيس اللجنة سيرجى دانكفيرت، لم تستطع لجنته سوى اعتراض ما يقدر بنحو 10 فى المائة من واردات غير قانونية خلال العام الماضى. وفى محاولة لإحداث تأثير أكبر، قامت اللجنة بإخضاع كل شحنة لتدقيق أكثر كثافة، فاستطاعت خلال اليومين الماضيين تخفيض الواردات الغذائية اليومية عبر حدود روسيا الغربية بأكثر من النصف.

• رد فعل عنيف

ويرجح المقال أن تكون هذه السياسات، سببا فى تزايد المعارضة عبر ألوان الطيف السياسى الروسى، للحملة العامة على الواردات الغذائية غير المشروعة. فقد وقع أكثر من 285 ألف شخص على عريضة عبر الإنترنت تحث الكرملين على إعطاء الطعام للفقراء بدلا من تدميره من قبل اللجنة، فى حين اقترح النائب الروسى أندريه كروتوف التبرع بجميع المواد الغذائية المصادرة إلى المناطق الانفصالية التى مزقتها الحرب فى شرق أوكرانيا. وفى الوقت نفسه، علق القيادى المعارض، رئيس الوزراء السابق ميخائيل كاسيانوف على سياسة الغذاء، ساخرا بقوله: «انتصار حقيقى للإنسانية»، مشيرا إلى التبذير الهائل من قبل النظام بينما لا يزال 20 مليون المواطنين الروس يعيشون تحت خط الفقر.

ويعتقد المقال ألا يقتصر الأمر على تلك الصفوف المعارضة. بل إن فلاديمير سوفيوف المراسل التليفزيونى الموالى للكرملين، انتقد علنا إجراءات اللجنة قائلا: «لست أفهم كيف يمكن أن يدمر الغذاء، فى هذا البلد الذى عاش الجوع الرهيب خلال سنوات الحرب والسنوات الصعبة التى أعقبت ذلك». وأعرب قس أرثوذكسى روسى مؤيد لبوتين عن مشاعر مماثلة بالإحباط عندما نشر انتقاده للسياسة الغذائية على موقع دينى على الإنترنت: «كانت جدتى تقول لى دائما أن رمى الطعام خطيئة. هذه الفكرة مجنونة، غبية ودنيئة».

ويبدو أن ردود الفعل القوية فاجأت الكرملين إلى حد ما. فخلال العام الماضى، وحتى الآن، لم تتعرض الحكومة لانتقادات تذكر بسبب العقوبات. بل إن قانون حظر استيراد المواد الغذائية عندما طُبق للمرة الأولى، ذهب المواطنون الروس إلى حد تدمير طعامهم بأنفسهم علنا لدعم قرار الحكومة. (وبطبيعة الحال، كان الاقتصاد الروسى أكثر صحة بكثير مما هو عليه الآن).

• تاريخ من انعدام الأمن الغذائى

يعرض المقال ما مر به التاريخ الروسى من أزمات الغذاء. فقد هلك الملايين بين العشرينيات والأربعينيات من الجوع. وفى عام 1921، لقى ستة ملايين مواطن حتفهم عندما أدى الجفاف ومصادرة المواد الغذائية خلال الحرب العالمية الأولى والثورة الروسية إلى المجاعة عبر نهر الفولجا ومناطق الأورال. ثم، توفى ما لا يقل عن سبعة ملايين آخرين بين 1932و 1933، عندما فرض الاتحاد السوفيتى سياسات قسرية جماعية فى كازاخستان وأوكرانيا والقوقاز الشمالية، ومنطقة الفولجا والأورال الجنوبية وغرب سيبيريا مع نقص المواد الغذائية الرئيسية. وضربت مجاعة كبرى البلاد خلال 1947 و1948، بسبب المزيد من الجفاف والدمار الذى خلفته الحرب العالمية الثانية، أدت إلى وفاة ما يقدر بنحو 1.5 مليون روسى.

ويختتم المقال بأنه مع الازدهار النسبى الذى أعقب انهيار الاتحاد السوفيتى تدفقت الأطعمة الغربية على السوق الروسية. وعندما تولى بوتين السلطة أولا، اكتسب الشرعية بين شعبه جزئيا من خلال ضمان مصادر غذاء مأمونة عن طريق رفع مستوى الأغذية المتاحة وتوسيع نطاق تنوعها. ولكن الآن، أصبحت لقمة العيش فى روسيا على المحك من خلال محاولة موسكو تسجيل فوز على الغرب. وعلى الرغم من انتشار الانتقادات، فإن الحكومة الروسية تصمم على موقفها للحد من الواردات الغذائية غير المشروعة. لكن الجدل يفاقم الاستياء الاجتماعى من الضائقة الاقتصادية الحالية، ويشعر الكرملين بالقلق من أن يؤدى الاستياء إلى مزيد من الاحتجاجات. وذلك ربما تلجأ موسكو إلى الرد المعتدل على انتهاكات العقوبات، عبر اختيار حملات قوية ولكن متقطعة بدلا من الحملات المنتظمة.

التعليقات