فاجأنى الأستاذ عماد الدين حسين رئيس تحرير الشروق بتلك الاحتفالية التى بلاشك كانت أكثر كرما وسخاء من كل توقعاتى فى مقاله اليومى الذى خصصه أمس الجمعة للحديث عما تعرضت له فى محاولتى لتناول تطعيم جونسون آند جونسون للمسافرين الذى تتيحه وزارة الصحة مقابل مائتين وخمسين جنيها فى جرعة واحدة.
لا أجد بالفعل من الكلمات ما يمكن أن يعبر عن امتنانى للصحفى عالى المقام الذى تفهم جيدا دوافعى الحقيقية وراء رغبتى فى أن تتبنى الشروق رصد وقائع تلك التجربة بأمانة الإنسان المحب لوطنه الحريص على إنسانية مواطنيه العارف بحدود مسئوليات كونه جزءا من منظومة الصحة كما تقتضى واجبات مهنته. أنا بلاشك جزء من تلك التجربة مسئولة عن أداء واجبى قبل أن أطالب بحقى.
بداية أود أن أسجل أن خطة إتاحة تطعيم جونسون آند جونسون الذى يعطى فى جرعة واحدة مع استخراج شهادة رسمية تثبت أنه قد تم تناول اللقاح بصفة رسمية هى فكرة ممتازة تعاون المواطن على تخطى عقبات السفر التى من حق أى دولة فى العالم فرضها فى صورة قواعد منظمة لدخول وحركة البشر عبر حدودها. وأن المقابل بالفعل زهيد ومقبول لذا فقد قررت الاستفادة من تلك المنحة التى توفرها بلدى لمساعدتى وبدأت الخطوات المطلوبة.
سجلت اسمى وزوجى على موقع وزارة الصحة فكان الرد إيجابيا سريعا بإمكانية تطعيمى وزوجى بمركز مستشفى زايد التخصصى فذهبت، كان الأمر ميسرا واستقبلت بلطف فوجهونى لمركز كرداسة للمسافرين فذهبت، كان الزحام بالفعل خانقا لكنى وصلت بعد جهد للطبيب المناوب الذى بدا متعاونا لأقصى حد مع الجميع رغم أن عدد المواطنين كان فوق احتمال تلك المساحة المحدودة فى المكتب والطرقات.
بالفعل لم أحاول على الإطلاق الحصول على أى امتياز كطبيبة لأننى وإن سعيت إلى التميز لجهدى إلا أننى لا أفضل طريق التمايز أما السبب الثانى فلأنى منذ أن داهمت العالم الكورونا ونحن منه جزء، خطر ببالى أن أسجل يوميات مصرية خالصة لوقائع وأحداث التجربة خاصة أن طبيعة عملى تجعلنى الأقرب للوقائع الصحية والاجتماعية إلى جانب تسجيلى للاختلافات مقارنة بما يحدث حولنا فى العالم وتماثل تجربتنا أو تفردها عن تجارب أخرى.
نجاح تجربة تطعيم المواطنين السابقة شجعتنى على أن أمضى فى تجربتى ككل المصريين فى طمأنينة تبددت تماما حينما كان على أن أتصل عن طريق الخط الساخن ١٥٣٣٥ فقد قضيت ثمانى ساعات كاملة أحاول سماع صوت إنسان يتولى الرد وإجابة طلبى بدا الأمر مستحيلا. عدت إلى طبيب مركز كرداسة المجتهد فكان هو الذى تولى تغيير تسجيلى إلى مركز كرداسة دون أى معرفة سابقة إلا صلة زمالة المهنة، ظهر تسجيلى على موقع مركز كرداسة وذهبت كلى أمل حتى وصلت، بلا أدنى مبالغة معركة حشود من البشر متلاحمين متزاحمين بلا أى اجراءات تقى من عدوى أكيدة حتى إن الطبيب المجتهد اعتلى أحد المكاتب يرجو الناس محاولة الانتظار فى أى صورة أو صيغة تسهل له عمله. أود بلاشك أن أسجل أن هذا الطبيب الشاب يستحق عن جدارة مكافأة ولو معنوية تعيد إليه ثقته فى أنه بالفعل قد أجاد رغم كل التداعيات التى طالته.
أردت أن أحتفظ بصورة حقيقية لما يحدث ففوجئت بمن يتوعدنى بأنه سيستحضر رئيس المباحث بعد أن حاول أن يختطف تليفونى وكاد الأمر يتحول لكارثة لأن من حولى من البشر تنبهوا وكنت أنا التى خلصته من أيديهم وبدأت أصرخ فى الجموع من فضلكم انتبهوا لأننا الآن بؤرة عدوى حقيقية. فى النهاية انسحبت وزوجى بلا تطعيم مكتفين بالنجاة بأرواحنا وإن كانت المرارة تسرى فى شرايينا.
أكتب اليوم من موقع مسئولية فأنا بلاشك جزء من تلك المنظومة ولا هدف لدى إلا المساهمة فى جهود وزارة الصحة المبذولة لدرء الخطر عن كل المصريين.
تمت من قبل تجربة تناول اللقاحات فى يسر وتنظيم أشاد به الجميع فلماذا تكرر هذا الوضع الكارثى فى مراكز تطعيم المسافرين رغم فرض رسوم يمكن من حصيلتها توفير ظروف أفضل لمراعاة إنسانية وكرامة المواطنين.
لا نفقد الأمل أبدا فى أننا شعب ذو حضارة عريقة سيستعيد أصولها يوما ما عله قريب. ولتكن رسالتى اليوم لدعم وزارة الصحة فى تأكيد جهودها فى تلك المعركة مفتوحة النهايات مع احتمال زحف الموجة الجديدة العاتية من هجوم فيروس ضارٍ تعدى خطره كل خطوط أمان الانسان.
ومدد.. مدد.. شدى حيلك يا بلد.