النتيجة المنطقية الأولى والرئيسية لقيام النائب العام بالتحقيق فى مدى صحة قيام مؤسسة الرئاسة بتسجل مكالماته الهاتفية معها هو أن هذه المكالمات سوف تختفى ولن يستطع أى شخص أن يخرج ليقول ما الذى جرى بالضبط فى الاتصالات الهاتفية بين مؤسسة الرئاسة والنائب العام المستشار عبدالمجيد محمود بشأن تركه منصبه وتعيينه سفيرا لمصر فى الفاتيكان.
فى تقديرى أن الدكتور عصام العريان تسرع ــ كما هى عادته فى الأيام الأخيرة ــ وتحدث عن وجود مكالمة مسجلة للنائب العام بأنه وافق على العمل سفيرا فى الفاتيكان، ولم يفكر العريان فى العواقب القانونية لكلامه.
وعندما حاول العريان الشرح زاد الطين بلة بالتأكيد على أنه من الطبيعى تسجيل مكالمات الرئاسة مع أى شخص من أجل التوثيق كما نشرت على لسانه «بوابة الأهرام» مساء الأربعاء الماضى ثم تراجع صباح الجمعة مؤكدا أنه لم يقل إن الرئاسة تقوم بتسجيل المكالمات.
أداء العريان فى الفترة الأخيرة صار لغزا يحتاج من يحله.. هو دخل فى مواجهة ساخنة مع جيهان منصور فى قناة دريم وأساء لنفسه ولحزبه، وقبلها دخل فى مواجهة مع اليسار بأكمله، ثم قرر أن يصطدم بالنائب العام بعد أن هدأت المعركة وعاد النائب لمنصبه.
هل فعل العريان ذلك من أجل الانتخابات على منصب رئيس حزب الحرية والعدالة، أم من أجل كسب وتهدئة الشارع الإخوانى الغاضب من الإعلام ومن القضاة ومن اليسار؟!.
بغض النظر عن الإجابة فمن الواضح أن المعركة بين الإخوان والقضاء لم تنته كما تخيل كثيرون، ربما هدأت على السطح مع مؤسسة الرئاسة، لكنها مستعرة فوق وتحت السطح سواء عبر حزب الحرية والعدالة أو عبر وكلاء آخرين فى الإعلام وفى بعض القوى السياسية الحليفة للإخوان.
نعود لموضوع التسجيلات ونسأل: هل يحق للرئاسة أو غيرها أن تسجل المكالمات الصادرة منها والواردة إليها؟!.
الأصل أن التسجيل ممنوع من دون إذن نيابى، وبالتالى فان كلام العريان عن أن التسجيل كان يتم منذ عهد جمال عبدالناصر وحتى سقوط حسنى، لا قيمة له، لأن التعذيب كان أيضًا قائمًا فى السنوات الماضية، فهل نعيده ونطالب به لمجرد أنه كان موجودا؟!.
الخطأ لا يمكن بتبريره مهما كان الأمر، وإلا فإننا سوف نستنسخ كل الأخطاء والخطايا السابقة سواء لأنها كانت موجودة من قبل أو لأن «ضرورات الأمن القومى تقتضى ذلك».
البيان الذى أصدره المستشار عادل السعيد النائب العام المساعد والمتحدث الرسمى باسم النيابة العامة مساء الأربعاء بشأن التحقيق فى أمر هذه التسجيلات ومن أمر بها، مهم للغاية بغض النظر عن النوايا.
عقب صدور هذه البيان كتب البعض على مواقع التواصل الاجتماعى متسائلا: «وأين كانت النيابة من تسجيلات أمن الدولة فى السابق وتجسسها على الجميع؟!».
ولهؤلاء نقول إن وجود خطأ فى الماضى لا يبرر تكراره الآن، وعلينا أن نقاتل من أجل صيانة حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وعدم التجسس عليها بغير إذن من القضاء أو النيابة.
نعم كانت هناك أخطاء كارثية فى الماضى، وربما كان هناك تقصير من العديد من الجهات بما فيها القضاء، لكن علينا أن ندافع طوال الوقت عن ضرورة وجود حياة سياسية نظيفة والأهم حماية الحريات وحقوق الإنسان وحرمة الحياة الخاصة.
بغض النظر عن من هو المخطئ ومن هو المصيب فى معركة الرئاسة والقضاء، فان السماح بانتهاك حرمة الحياة الخاصة لأى شخص كارثة ينبغى على كل شريف ووطنى وعاقل أن يتصدى لها ويفضحها.
إذا برر بعض الإخوان أعمالهم السيئة بأنها كانت تحدث فى الماضى فلماذا إذا أسقطنا مبارك.. على الأقل كان يفعلها باحتراف؟!.