نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتبة آمال موسى تناولت فيه الحديث عن أحوال الأطفال فى عالم تسوده الصراعات والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية فى ذكرى مرور 32 عاما على الإعلان عن اتفاقية حقوق الطفل، إلى جانب الفجوة بين التشريعات المعنية بالطفولة فى الدول العربية والواقع... نعرض منه ما يلى:
احتفل العالم يوم 20 نوفمبر بذكرى مرور 32 عاما على الإعلان عن اتفاقية حقوق الطفل، وهى مناسبة إضافية ومهمة لإثارة مشاكل الطفولة اليوم من زاوية حجم الفجوة القائمة بين تشريعات الطفولة فى العالم وبين الواقع وطبيعة الممارسات المسلطة على الأطفال.
طبعا لا يستقيم الحديث عن الأطفال بكونهم يعرفون وضعية واحدة؛ هناك أوضاع مختلفة يعيشها الأطفال فى العالم اليوم. وهنا نطرح سؤال الطفولة فى العالم العربى: هل هى فى وضعية آمنة بشكل يجعلنا نطمئن على مستقبل مجتمعاتنا، أم أنها مهددة ومهملة كما تشير إلى ذلك الأرقام والإحصائيات والظواهر التى باتت تعصف بالأطفال؟
لا بد من الإشارة إلى أنه من سنوات والخطاب الإعلامى والاجتماعى بشكل عام يركز على فئة الشباب وما تعانيه من مشاكل كالبطالة وظاهرة التطرف، وهو تركيز مفهوم جدا باعتبار أننا من تاريخ أحداث 11 سبتمبر 2001 والعالم فى حرب معقدة مركبة غامضة ضد الإرهاب، الذى اعتمد بشكل أساسى على استغلال الشباب ذوى الإكراهات الاقتصادية والوضعيات الهشة.
غير أن ما حصل من تركيز مفهوم ولقد كان فى مقابل ذلك سببا للإجحاف بحق الطفولة فى العالم العربى، حيث ظلت الطفولة من المواضيع التى لا تشغل بالنا ولا تبعث فينا القلق، والحال أن المستقبل مرتبط أساسا بالطفولة ناهيك عن أنها المرحلة الحاسمة فى تشكيل شخصية الإنسان وبناء تمثلاته للأشياء؛ إذ التنشئة الاجتماعية للفرد تُبنى أسسها وتُرسم ملامحها فى فترة الطفولة المبكرة، أى ما بين سن الثالثة والخامسة.
هناك مبدأ يمكن أن نعتمده فى تحديد وضعية الأطفال، وهو مبدأ عدم التمييز بين الأطفال. وكما نعلم فإن هذا المبدأ يتصدر الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التى احتفل العالم البارحة بمرور 32 عاما على تأسيسها.
طبعا غالبية بلداننا قد وقعت على هذه الاتفاقية، لكن واقع الطفولة كما ترويه الظواهر والأحداث يعكس وجود فجوة حقيقية بين التشريع فى مجال الطفولة وبين الواقع.
وليست مبالغة إذا قلنا إن كل المشاكل التى تحصل فى العالم بدءا من المشاكل الزوجية فى المنزل وصولا إلى الحروب بين الدول إنما الأطفال هم أكثر الضحايا.
لنعترف نحن المجتمعات العربية بأننا نحب إنجاب الأطفال، ولكن الطفل لا نفكر فيه ككيان خاص له شخصيته وأحلامه الخاصة. الطفل نعتبره امتدادا لنا فى كل شىء. ونريد منه أن يرث نجاحنا إذا نجحنا وأن ينتقم من فشلنا وينجح إذا فشلنا.
من جهة ثانية فإن غالبية أطفال العالم العربى اليوم يعانون من الفقر والجوع مقابل أطفال يعيشون فى ترف مبالغ فيه. بمعنى آخر هناك تمييز طبقى شاسع نلاحظ تمظهراته من خلال تزايد ظاهرة العنف فى صفوف الأطفال.
وهنا من المهم أن نضع الأمر فى إطاره، فالطفل العنيف هو فى الأصل طفل معنف، والتباين الاقتصادى بين الأطفال يمثل شكلا من أشكال العنف الرمزى والمادى أيضا. ويمكن سحب تفسير العنف الاقتصادى على مجمل مشاكل الطفولة اليوم، حيث إن الأزمات الاقتصادية فى بلداننا وتداعيات التوتر والحروب على الأطفال نفسيا واقتصاديا.
وإذا سلمنا بفكرة أن الأسرة العربية اليوم تعانى من التفكك وأن أرقام الطلاق مرتفعة ومخيفة، وأن تراجع دور الدولة اجتماعيا لصالح القطاع الخاص يشكل توجها اختارته بلداننا مع فارق فى نسق الخطوات، فإن كل هذه التسليمات تتطلب منا إقرارا صريحا بأن الطفولة ليست بخير فى بلداننا، وهو ما تؤكده ما تسمى بالطفولة الجانحة أى الانحراف وحتى الجريمة فى صفوف فئة الأطفال، وأيضا ما نطلق عليه الطفولة المهددة التى تظهر فى الاستغلال الاقتصادى للأطفال وعملهم دون السن القانونية التى تسمح بها تشريعات الطفولة. وأيضا يتعرض الأطفال اليوم إلى عنف جنسى واستغلال جنسى غير مسبوق. وتحتاج هذه الظواهر إلى استنفار علمى وقانونى وسياسى، لأنها ظواهر تنم عن مشكل قيمى كبير بدأ ينخر مجتمعاتنا.
لذلك فإن احتفال جميع البلدان غدا باليوم العالمى للطفل وأيضا انطلاق تظاهرة شهر حماية الطفولة، إنما يمثل مناسبة لإثارة النقاش العمومى حول واقع الطفل اليوم فى الفضاء العربى والإسلامى، وأن يتم التناول بكل جرأة وتصور نقدى يسهم فى لفت الانتباه وفى نشر الوعى بمشكلات الطفولة التى ستتراكم وتلقى بظلالها على المستقبل.
من ناحية أخرى ولما كان الطفل هو الضحية فإن القرارات على مستوى الأسر والأوطان والعلاقات الدولية وقرارات الحرب والسلم، يجب أن تضع مصلحة الأطفال فى الاعتبار والحسبان، لأن فى هذا الانتباه إنما نكون بصدد اعتبار الطفولة ضمن الأولويات والمحاذير.
لذلك فإن النخبة السياسية تقاس نجاعتها بواقع الطفولة فى البلد الذى تحكمه.