تصريحات بنيامين نتنياهو منذ 7 أكتوبر.. هل حان الوقت لإلغاء اتفاق أوسلو أم تعديله؟ - قضايا إستراتيجية - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 3:45 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تصريحات بنيامين نتنياهو منذ 7 أكتوبر.. هل حان الوقت لإلغاء اتفاق أوسلو أم تعديله؟

نشر فى : الأربعاء 20 ديسمبر 2023 - 9:25 م | آخر تحديث : الأربعاء 20 ديسمبر 2023 - 9:25 م
نشر المركز الفلسطينى للدراسات الإسرائيلية، مدار، مقالا للكاتب وليد حباس، يؤكد فيه اتخاذ نتنياهو اتفاق أوسلو حجة لتبرير الفشل الأمنى والاستخباراتى الإسرائيلى يوم السابع من أكتوبر. كذلك يوضح الكاتب أن عملية طوفان الأقصى أعطت الفرصة لنتنياهو لإلغاء العمل بشروط اتفاق أوسلو بحجة ما تشكله هذه الشروط من خطورة على أمن إسرائيل... نعرض من المقال ما يلى.
منذ توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية لأول مرة عام 1996، عارض بنيامين نتنياهو اتفاق أوسلو، وعرقل التقدم نحو إقامة دولة فلسطينية. لكنه فى المقابل وجد نفسه «مرغما» على العمل بموجب التزامات إسرائيل النابعة من الاتفاق. ووفرت الحرب الحالية، ونتائج هجوم حركة حماس غير المسبوق بالنسبة لإسرائيل، فرصة لنتنياهو لنقل معارضته لاتفاق أوسلو إلى مستوى آخر من الخطاب. فى مساء يوم السبت 16 كانون الأول 2023 قال نتنياهو: «لن أسمح لدولة إسرائيل بالعودة إلى خطأ أوسلو المشئوم». هذا التصريح لا ينطوى فقط على رفض إقامة دولة فلسطينية، وإنما يحمل فى طياته أيضا إشارات إلى انتهاء العهد الذى يرى نتنياهو نفسه فيه «مرغما» على العمل بموجب اتفاقيات أوسلو، والبدء بفرض تعديلات على طبيعة الاتفاقيات المبرمة مع الفلسطينيين وبشكل أحادى الجانب. هذه المقالة تقدم قراءة فى هذه التعديلات التى يمكن رصدها بين ثنايا خطابات نتنياهو.
اتفاق أوسلو فى ضوء هجمات 7 أكتوبر: عودة إلى البداية
إذا ما جمعنا كل التصريحات المتعلقة باتفاقيات أوسلو منذ هجوم 7 أكتوبر، بالإضافة إلى البيانات الصحفية الرسمية الصادرة عن المستويات السياسية الرفيعة فى إسرائيل، سيكون بالإمكان رسم معالم التحول الجديد فى الخطاب الإسرائيلى المتعلق بمستقبل أوسلو.
على الرغم من أن اتفاق أوسلو الأول (مرحلة غزة ــ أريحا) جرى باعتباره اتفاقا دوليا، فإن رابين عرضه على أعضاء الحكومة للمصادقة عليه باعتباره مرحلة اختبار. وقد أبدى إيهود باراك (فى حينها رئيس الأركان) عدم تحمسه للاتفاق لأنه سيقيّد قدرة الجيش الإسرائيلى على الدخول إلى كافة المناطق التى سيتم نقلها إلى الفلسطينيين. هنا، أجابه رابين بالتالى: «إذا نجم لدينا وضع لا تقوم فيه الشرطة الفلسطينية بالعمل ضد المخربين، فهذا يعنى انتهاكا للاتفاق. لذلك، يجب البدء بغزة [كتجربة] لنرى ما سيحدث.. إن لم يحدث تغيير، ولم يعالجوا الأمر فسنقول للفلسطينيين: سادتى [انتهت فرصتكم]، نحن سنعود لتولى الأمن».
وبالعودة إلى «جدوى» اتفاق أوسلو من منظور الأمن الإسرائيلى، فإن الانقسام السياسى داخل إسرائيل حياله كان، منذ اغتيال رابين العام 1995، يتمحور حول ما إذا وفر اتفاق أوسلو الأمن لإسرائيل. فى صلب هذا النقاش، يستحضر الإسرائيليون عمليات يحيى عياش التى أحدثت صدمة للإسرائيليين الذين لم يعهدوا فى السابق حصول تفجيرات قاتلة فى قلب مدنهم، ثم الانتفاضة الثانية (ومشاركة عناصر من الأجهزة الأمنية الفلسطينية فيها). وقد أعلن نتنياهو فى جلسة للجنة الخارجية والأمن بتاريخ 12 ديسمبر 2023، بأن عدد القتلى الإسرائيليين فى هجوم 7 أكتوبر يساوى عدد القتلى الإسرائيليين الذى سقطوا خلال اتفاقيات أوسلو التى سمحت للفلسطينيين بحمل السلاح. تشير هذه المقارنة (بين قتلى أوسلو وقتلى 7 أكتوبر من الإسرائيليين) إلى أنه بالنسبة لنتنياهو، فإن جذر الإشكالية ليس الفشل الأمنى والاستخباراتى الإسرائيلى الذى رافق هجوم 7 أكتوبر، وإنما: 1) السماح للفلسطينيين بالسيطرة على مساحات من الأرض بدون أن تكون هناك سيادة أمنية إسرائيلية كاملة عليها، 2) السماح للفلسطينيين بحمل السلاح.
• • •
الحجة الأساسية التى يرفعها اليمين الإسرائيلى منذ ثلاثة عقود تتعلق بالتهديد الأمنى الذى أنشأه اتفاق أوسلو بالنسبة لإسرائيل. عندما تبجح نتنياهو فى المؤتمر الصحفى مساء السبت 16 ديسمبر بأنه كان له الفضل بإعاقة إقامة دولة فلسطينية على مدار سنوات حكمه، فإنه كان يتجنب أى نقاش سياسى حول حق الفلسطينيين بإقامة دولة، وينظر إلى هذه الدولة فقط من منظور الأمن الإسرائيلى. فى الوقت الذى ما يزال كل المجتمع الإسرائيلى فى صدمة أحداث 7 أكتوبر، وقدرات حماس العسكرية، فإن هذه حجة كافية لإعادة تشكيل الرأى العام حول أخطار اتفاق أوسلو.
منذ أن بدأ النقاش الإسرائيلى حول اليوم التالى بعد انتهاء الحرب، أطلق نتنياهو تصريحات توحى برغبته استبدال هذا النموذج بنموذج جديد تكون فيه «إدارة مدنية» مشرفة على قطاع غزة (وفى ذهنه أيضا، وإن رمز إلى ذلك بشكل ضمنى، الإشراف على المناطق الفلسطينية فى الضفة الغربية). ومع أن الإدارة المدنية لم يتم حلها أو تفكيكها منذ توقيع اتفاق أوسلو حتى اليوم، إلا أن ما يقصده نتنياهو هو، على ما يبدو، إعادة الاعتبار للدور المحورى والإشرافى للإدارة المدنية كما كان سابق عهدها فى فترة ما قبل أوسلو. فقد صرح نتنياهو وبشكل واضح، بأنه لا يريد سلطة فلسطينية تقوم بالإشراف على التربية والتعليم، وتخريج أفواج من الفلسطينيين المعادين لإسرائيل. فقط عندما تشرف الإدارة المدنية على شئون الفلسطينيين المدنية (خصوصا التربية والتعليم)، فإن إسرائيل ستكون قادرة فى حينه على إنتاج «الفلسطينى الجديد» الذى لا يعارض حق إسرائيل بالوجود، ولا يعيد اجترار مفاهيم حق تقرير المصير والكفاح المسلح والتحرر، على حدّ تعبيره.
بغض النظر عن قدرة السلطة الفلسطينية على المناورة فى الوقت الذى تجد نفسها فيه مكبلة باتفاقيات أوسلو، إلا أنها لا تزال، بموجب الاتفاقات، عبارة عن سلطة سيادية لها قدرات تشريعية، قضائية، وتنفيذية مستقلة. ولهذا السبب، قررت السلطة الفلسطينية تشريع قانون صرف رواتب لعائلات الأسرى والشهداء، وهو ما تعتبره إسرائيل تمويلا للإرهاب، ودليلا على قدرة السلطة الفلسطينية على «تحدى» إسرائيل وتشريع قوانينها بشكل خاص. قد يكون الاهتمام الإسرائيلى حاليا بهذه القضية يكمن فى كيفية إجبار السلطة الفلسطينية على إيقاف هذا «التمويل»، بيد أن مفهوم الإدارة المدنية التى ستشرف على قطاع غزة فى اليوم التالى للحرب يعنى، كما يمكن قراءته من تصريحات نتنياهو، وجود آليات تضمن حق إسرائيل بالإشراف على أى تشريع فلسطينى فى المستقبل، والمصادقة عليه، أو رفضه.
إن إعلان نتنياهو بأن السلطة الفلسطينية «لن تعود» إلى قطاع غزة بعد انتهاء الحرب قد لا يجب أن يقصر النقاش على هوية السلطة الجديدة التى يرغبها نتنياهو فى القطاع، وإنما يجب الاهتمام أيضا بالهيكليات التى يعتزم نتنياهو فرضها على القطاع بحيث أن هذ الإشراف لن يكون فقط إداريا، وإنما أيضا تربوى. هذا قد يعنى أن إعادة الإدارة المدنية إلى الحكم بشكل أكثر وضوحا من شأنه أن يحيد «الهوية السياسية والأيديولوجية» للسلطة الفلسطينية ويعيد حكم الفلسطينيين وفق أجندة الجيش الإسرائيلى والإدارة المدنية.
• • •
خلال المؤتمرات الصحفية الدورية التى يظهر بها نتنياهو، طلب منه الصحفيون فى أكثر من مرة أن يكف عن القول «ماذا لا يريد فى قطاع غزة» وينتقل إلى الحديث بشكل أكثر وضوحا إلى «ماذا يريد فى قطاع غزة». الإجابة شبه الوحيدة التى قدمها نتنياهو فى هذا المقام هى أنه يريد قطاع غزة «منزوع السلاح». وفى آخر تصريح له قال: «الآن بعد أن رأينا الدولة الفلسطينية المصغرة فى غزة.. فإن الجميع يفهم ما كان سيحدث لنا لو استسلمنا للضغوط الدولية وسمحنا بإقامة دولة كهذه فى يهودا والسامرة، وحول القدس وعلى مشارف تل أبيب».
فيما يتعلق بنزع الأسلحة من السلطة الفلسطينية، فإن الأمر ينطوى على اعتبارين اثنين كما قد يرشح من خطابات نتنياهو منذ 7 أكتوبر. الاعتبار الأول، هو أن فكرة احتواء السلطة الفلسطينية على أجهزة أمنية لغرض «إنفاذ القانون»، كما تم وصف الأمر حرفيا فى اتفاقيات أوسلو، قد يحتاج إلى إعادة اعتبار لطبيعة هذه الأجهزة الأمنية، قدراتها، كمية ونوعية العتاد والأسلحة المتوافرة لديها، والتدريبات التى تتلقاها. ويشير ضباط فى الجيش الإسرائيلى ممن ينتمون إلى مجموعة «الأمنيون» للتفكير الاستراتيجى بأن أجهزة السطلة الفلسطينية فى الضفة الغربية لديها قدرات «هجومية» و«قتالية»، وهو أمر يجب أن يدق ناقوس الخطر لدى إسرائيل والتى تعتقد بأن هذه المهارات لا تمت بصلة لمفهوم «إنفاذ القانون» المستوحى من اتفاقيات أوسلو. والاعتبار الثانى، هو أن اتفاق أوسلو الثانى (تم توقيعه العام 1995) أتاح وجود صلاحيات أمنية للسلطة الفلسطينية على مناطق A، وأن السلطة الفلسطينية هى المشرف الأمنى على كل ما يحصل داخل هذه المناطق. وقد ألغت إسرائيل بشكل أحادى الجانب هذا البند العام 2002 (فى أوج الانتفاضة الثانية) وسمحت لقواتها العسكرية بالدخول إلى كافة المناطق. بيد أن قطاع غزة شكل حالة «شاذة» بحيث أن الانسحاب الإسرائيلى ومن ثم الانقسام الفلسطينى وفرا ظرفا لم تتمكن فيه إسرائيل من تولى الأمن والسيادة بنفسها داخل القطاع.
النص الأصلى

التعليقات