فى استطلاع عام للرأى نشرت نتائجه الأسبوع الماضى فى العاصمة الفرنسية باريس، أكد ثلثا الفرنسيين «اتفاق من كل ثلاثة أدلوا برأيهم» أنهم يؤيدون أن يحمل ــ وبشكل إجبارى ــ كل سائق فى سيارته جهازا لقياس نسبة الكحول فى الدم. الأمر يلزم كل سائق بمعنى سائق الشاحنة والأتوبيس والعربات الخاصة على حد سواء بمراقبة نسبة الكحول فى دمه قبل أن يتصدى للقيادة، فإذا زاد عن الحد المسموح به عليه أن يتراجع فورا عن القيادة طواعية، قبل أن يلزمه القانون بالغرامة أو السجن!
الجهاز المقترح استخدامه يشبه إلى حد كبير الذى تستخدمه الشرطة للكشف عن نسبة الكحول فى دم السائق، الذين قاموا بتوقيفه عند الشك فى أنه يقود سيارته تحت تأثير الكحول. كيس بلاستيكى يقوم السائق بالنفخ فيه ليملئه فيتلون بلون الخطر إذا ما كانت نسبة الكحول أعلى من المسموح بها الأمر الذى معه قد تحدث كوارث الطرق.
نتائج الاستفتاء أعلنت فى حفل أقيم لتكريم ممثلى المناطق والأقاليم الفرنسية الذين بادروا إلى اتخاذ إجراءات مختلفة للحد من حوادث الطرق. أعلن نتيجة الاستفتاء ساركوزى الرئيس الفرنسى مزهوا بوعى مواطنيه الذين اختاروا طواعية أن يحابسوا أنفسهم قبل أن تحاسبهم الحكومة.
مع بداية الربيع القادم تبدأ فرنسا تطبيق هذا الإحراء وفقا لنتيجة استطلاع الرأى وعلى كل سائق أن يلتزم بوجود هذا الجهااز الذى يستخدمه لمرة واحدة قبل استبداله بآخر جديد وإلا لحقه القانون وطالته العقوبة.
تراجع عدد ضحايا الأسفلت فى فرنسا إلى ما يصل إلى أربعة آلاف، الرقم الذى اعتبره ماكرون فى كلمته كارثيا رغم أن الرقم منذ سنوات عشر كان يدور فى فلك الثمانية آلاف وفقا لما ذكر. ومازال الرئيس يطمع فى رقم أقل كثيرا، فأرواح الفرنسيين فيما يبدو غالية ومسئوليتها معلقة برقبة الحكومة!
ترى كم ضحية مصرية ضاع دمها هباء على الأسفلت هذا العام، ولم تحمل حتى رقما يدل على أهمية علم الاحصاء فى حياة المصريين؟
أكاد أجزم بما لا يقبل الشك أن ضحايا الطريق الدائرى فقط قد تجاوز عدد كل ضحايا الحوادث فى فرنسا فى السنوات العشرة الأخيرة هذا العام.
أعرف أن المشكلة فى بلادنا لا تقف عند حدود الكحول والمخدرات إنما تتعداها لمشاكل الطرق وأخطار السرعة والعربات المستهلكة والجهل بقواعد المرور، بل وأن تحديها وتجاوزها أحد معالم «الفهلوة» المصرية، وأن وسائل الانقاذ لدينا متردية وأقسام الطوارئ على الطريق خاوية.
لكنى فى الواقع على يقين أن الأزمة الحقيقية تقع فى الفارق بين ثقافتنا وثقافة العالم المتحضر وأن الوقت أخيرا قد حان للثورة عليه، رغم أننا حتى الآن نتبع القانون الفرنسى إلا فيما يخص أرواح الناس على الطرق.