منذ عام 1994 عودتنا صحيفة فايننشال تايمز البريطانية فى عدد نهاية الأسبوع (مجمع ليومى السبت والأحد) أن تنشر ملخص حوار يدور أثناء تناول وجبة الغذاء مع شخصية عالمية مهمة. ويتم دعوة الضيف لتناول وجبة الغذاء مع أحد محررى الصحيفة فى مطعم من اختيار الضيف بشرط أن تتكفل الصحيفة بدفع فاتورة الغذاء.
واستضافت الصحيفة، والتى تعد، بجانب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أهم صحف العالم يساعدهما على ذلك بجانب المهنية الشديدة والحرفية الزائدة، كون لغتهما هى الإنجليزية، الأمير السعودى تركى الفيصل الموجود حاليا فى العاصمة الأمريكية والذى اختار مطعما على مقربة من البيت الأبيض اسمه أوكسيدنتال جريل وسى فوود.
وعهد للصحفى المخضرم بالجريدة إدوارد لوس أن يصحب الفيصل لغذاء العمل. ولخص لوس ما دار بينهما فى الغذاء من حوار مهم، وإن لم يخل من بعض المواقف الحرجة.
وفى البداية اعتذر الفيصل على تأخره لمدة عشرين دقيقة بسبب إغلاق الأمن للشوارع المجاورة للمطعم بسبب وجود رئيس الوزراء الإسرائيلى فى البيت الأبيض فى نفس اليوم، وهو ما اضطر معه الفيصل البالغ 69 عاما لعبور عدة شوارع سيرا على الأقدام.
•••
تنبع أهمية تركى الفيصل من رئاسته لجهاز المخابرات السعودى بين عامى 1977 – 2001 وذلك خلفا لخاله كمال أدهم. وعمل بعد ذلك سفيرا لبلاده فى لندن ثم واشنطن قبل أن يستقيل ليعود للرياض لرئاسة مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. ويعرف الفيصل واشنطن والولايات المتحدة جيدا فقد قضى فترة التعليم الثانوى فى أحد أهم المدارس الداخلية بولاية نيو جيرسى قبل أن يلتحق بجامعة جورج تاون العريقة ويتخرج عام 1968.
وعندما سأله المحرر الصحفى إذا ما كان يعد واشنطن وطنه الثانى، رد قائلا «نعم هى كذلك، لكن عندى كذلك عدة أوطان ثانية مثل لندن وباريس». وسبب محرر الفايننشال تايمز لحظة حرجة عندما قال للفيصل «أنت تحب الحلويات كثرا.. فعلا أنت بدوى أصيل» وهو ما سبب ظهور علامات عدم الارتياح لهذا الوصف على وجه تركى الفيصل.
تناول الفيصل ستيكا بقريا وإحدى السلطات الخضراء وتناول معهما شايا مثلجا، وبعد ذلك طلب قهوة لتناولها بعد أن حلى بتشيز كيك عليه آيس كريم فانيليا، ودفع إدوارد لوس فاتورة الغذاء التى بلغت 128 دولار متضمنة الضرائب والخدمة.
•••
قبل بضعة أشهر قام تركى الفيصل بانتقاد أوباما، لأنه اعتبر استخدام النظام السورى للأسلحة الكيماوية «خطا أحمر»، ومن ثم عجز عن التصرف حيال ذلك. وأضاف تركى فى حواره «أن الخط تحول فيما بعد إلى اللون الوردى وفى نهاية المطاف إلى الأبيض». ويقول تركى الآن «إذا كنت ستضع حدا من نوع الخط الأحمر، فعليك التصرف بناء على ذلك. وهذا ما يتقنه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين كثيرا، فأنت لا تسمعه يحدث زئيرا، أو يتفاخر، أو أى شىء من هذا القبيل».
ثم ذكر الفيصل للمحرر أن الرئيس أوباما على وشك القيام بأول رحلة له إلى السعودية منذ عام 2009. ووصف تغير الأجواء منذ ذلك الحين، خاصة ما يراه من انسحاب أمريكى من الشرق الأوسط. ونحن فى المملكة ندرك الواقع الجديد، ونعترف بضرورة قبول الواقع. عليك أن تعترف بأن العالم قد تغير. كان واضحا من خطاب أوباما أمام الأمم المتحدة فى سبتمبر الماضى أن أمريكا ستركز فقط على فلسطين وإيران، أما فيما يتعلق بكل الأماكن الأخرى ــ سوريا وليبيا والسودان واليمن ومالى والعراق ومصر وغيرها ــ فنحن نتكيف مع واقع أمريكا المنسحبة.
•••
واعتبر الفيصل أن هجمات 9/11 تعد فشلا استخباراتيا ليس فقط لأمريكا بل أيضا للسعودية. وقال عندما تنظر إلى الأمر هناك إشارات كان ينبغى التقاطها ولم يتم ذلك، ومعلومات كان ينبغى مشاركتها ولم يتم ذلك ــ فى جميع أنحاء مجتمع الاستخبارات بأسره. أعرف أنه تم القيام بكثير من العمل للتخلص من هذه الإخفاقات، منها عدم قراءة الإشارات بشكل صحيح. هذا هو السبب الرئيسى لعدم تجدد نفس الأحداث المذهلة التى حدثت فى عام 2001، ليس فقط فى أمريكا بل فى السعودية أيضا.
ثم سأل المحرر تركى الفيصل عن رأيه فى كفاءة وأداء أجهزة المخابرات حول العالم. ورد قائلا إنه فى مجال جمع المعلومات تسبق أمريكا الجميع لما لها من إمكانيات تكنولوجية ومالية، أما فيما يتعلق بكفاءة العنصر البشري فتأتى بريطانيا على القمة بما لديها من خبرة وقدرات بشرية فى القضايا المختلفة. وفى الماضى أثناء قيادة الفيصل لمخابرات السعودية، يذكر أن المخابرات السوفيتية كانت مصدر ازعاج للجميع. وغالبا من ناحية الكفاءة العملية وتوظيف ما لديهم من امكانيات يعتبر الإسرائيليون الافضل مهنيا رغم وقوعهم فى الكثير من الاخطاء، إلا أنهم ينجزون مهامهم. ولم يذكر الفيصل المخابرات الصينية وقال إنهم لا يظهرون كثيرا هذه الأيام.
•••
فى بداية عام 2009، ومع بداية حكم الرئيس باراك أوباما كتب الفيصل بعنف مقالا فى ذات الصحيفة المرموقة منتقد الموقف الأمريكى من القضية الفلسطينية. وذكر أنه يأمل أن تدفع إدارة أوباما كلا من الفلسطينيين والإسرائيليين إلى القبول بحلول وسط قاسية. وذكر أنه ما لم تتخذ الإدارة الجديدة خطوات قوية لتفادى تعرض الفلسطينيين لمزيد من المعاناة فإن عملية السلام، والعلاقات الأمريكية السعودية، واستقرار المنطقة معرضة كلها للخطر. واليوم وبعد خمس سنوات عجاف على الفلسطينيين، لم يعبر الفيصل عن غضب السعودية من موقف البيت الأبيض تجاه القضية الفلسطينية. لقد انتقل الغضب السعودى لينصب على مواقف أوباما من سوريا ومصر وإيران، وليس من مواقفه ضد فلسطين.