بعد وقوع أحداث 11 سبتمبر الإرهابية، والتى قتل فيها ما يقرب من ثلاثة آلاف أمريكى فى مدن نيويورك وواشنطن وولاية بنسلفانيا، والتى نفذها 19 شابا عربيا منهم 15 سعوديا، تشكلت لجنة تحقيق مستقلة للبحث فيما جرى، وتحديد هوية ودوافع الإرهابيين، ومن دعمهم وما يمكن القيام به لتجنب أى هجمات مستقبلية.
وبعد عامين تقريبا من التحقيقات الجادة، والتى استخدمت فيها أمريكا كل مواردها التكنولوجية والأمنية والبشرية والاستخباراتية، خرجت نتائج التحقيقات فى صورة تقرير موسع مفصل فيما يزيد على ثمانمائة صفحة أجاب عن كل الأسئلة الممكنة بخصوص الهجمات. إلا أن إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش ارتأت بعد استشارة وزارة الدفاع ووكالة المخابرات المركزية (سى أى إيه) عدم نشر فصل صغير يتكون من 28 صفحة عن دور الحكومات الأجنبية فى الهجمات لاعتبارات تتعلق بالأمن القومى والمصلحة الأمريكية، واتخذ قرارا بالحفاظ على هذه الصفحات كإحدى الوثائق الحكومية السرية.
وتوجد هذه الصفحات فى غرفة شديدة الحراسة تحت سطح الأرض وأسفل مبنى الكونجرس، ولا يسمح لأحد منذ ذلك الحين بالاطلاع على هذه الصفحات إلا عدد محدود من أعضاء الكونجرس وكبار المسئولين الأمريكيين شريطة خضوعهم لتفتيش دقيق، وسحب كل ما معهم من تليفونات أو أقلام أو أوراق أو أى أجهزة تصوير أو أى أجهزة من أى نوع. فقط يسمح لهم بقراءة تلك الصفحات.
●●●
خلصت لجنة التحقيق التابعة للكونجرس فى أحداث 11 سبتمبر فيما يتعلق بالمملكة السعودية إلى نتيجة مفادها «استبعاد تورط كبار المسئولين السعوديين أو جهات حكومية سعودية فى تمويل تنظيم القاعدة». ولم يتم توجيه أى اتهام رسمى للحكومة السعودية بتورطها أو بقيامها بأى دور فى تلك الهجمات. من ناحيتهم يطالب المسئولون السعوديون بالكشف عن هذه الصفحات المفروضة عليها السرية منذ عام 2003، قائلين إن ذلك سيمنحهم الفرصة للدفاع عن أنفسهم ضد الاتهامات الموجهة إليهم بالتورط فى الهجمات، كما سيساعدهم فى إنهاء هذه التكهنات.
من أكثر الشخصيات اطلاعا على هذه الوثائق السيناتور السابق بوب جراهام، والذى ترأس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ أثناء وبعد أحداث 11 سبتمبر، حيث أشرف على أعمال لجنة التحقيق. ويؤكد جراهام أن المعلومات السرية داخل الـ28 صفحة تتحدث وتستفيض عن شبكة أشخاص يعتقد أنهم دعموا الإرهابيين بعد وصولهم للأراضى الأمريكية. وذكر فى حديث تليفزيونى لبرنامج «60 دقيقة» أنه «لا يصدق بأن 19 شخصا ــ أغلبهم لم يتكلموا اللغة الإنجليزية، ولم يسافروا إلى الولايات المتحدة من قبل ولم يحصل بعضهم على تعليم ثانوى، استطاعوا تنفيذ مهمة معقدة كهذه من دون أن يحصلوا على بعض الدعم الجوهرى من داخل الولايات المتحدة». ويؤكد جراهام أن هذا الدعم لم يأتِ من «جهة محددة، بل شاركت فيه الحكومة السعودية إلى جانب ممولين، وجمعيات تعمل تحت الغطاء الخيرى، وأنه تم التعتيم على هذا الدور من أجل حماية العلاقة الحساسة مع تلك المملكة»! ومع ذلك يشير الكثير من الخبراء إلى نص التقرير الذى ينفى أن يكون لأى «مسئول سعودى كبير دور فى الهجمات»، لذا يفترضون احتمالية وجود أدوار لمسئولين سعوديين ليسوا كبارا».
●●●
كان الكونجرس قد أقر تشريعا مهما عام 1976 يعرف بقانون The Foreign Sovereign Immunities Act يضع عراقيل ضد مقاضاة الحكومات الأجنبية ذات السيادة أمام المحاكم الأمريكية. ومنذ أسابيع قليلة تبنت اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ مشروع قانون تبناه 22 من أعضاء الكونجرس يسمح بإمكانية رفع دعاوى قضائية من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر ضد الحكومة السعودية. ولم يتم حتى الآن تحديد موعد للتصويت على المشروع. وكانت عائلات الضحايا قد رفعت دعوى قضائية ضد الحكومة السعودية العام الماضى، ولكن المحكمة الفيدرالية رفضت الدعوى بسبب الحصانة التى تملكها المملكة فى هذه القضية طبقا لقانون 1976. من ناحيته، وقبل سفره للرياض أكد الرئيس أوباما معارضته مشروع القانون، وأكد البيت الأبيض أن أوباما لن يتوانى عن استخدام الفيتو ضد مشروع القانون إذا ما أقره الكونجرس. إلا أن أوباما نفسه وعد عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر برفع السرية عن الـ28 صفحة، وأمر أوباما الأجهزة المختصة بمراجعة هذه الوثائق بدقة وتقديم النصح له بخصوصها. ويتوقع أن تصل الإدارة الأمريكية إلى قرار خلال الأسابيع السبعة المقبلة.
إضافة لمشروع قرار الكونجرس، وأزمة الـ28 صفحة، تشهد العلاقات بين الرياض وواشنطن مرحلة غير مسبوقة من التوترات على عدة أصعدة، ومنذ مبادرة أوباما بإذابة جليد العلاقات مع إيران، العدو اللدود للمملكة العربية السعودية، ووسط سجال الاتهامات بين كبار المسئولين من الدولتين حول الدور الذى ينبغى أن تضطلع به واشنطن أو حليفتها التاريخية فى قضايا الشرق الأوسط كما ظهر جليا فى حوارات أوباما الشهيرة مع مجلة أتلانتيك، لا ينتظر أن يحدث أى تحسن فى جوهر العلاقات بين المملكة وإدارة أوباما خلال الأشهر الباقية لها. لكن المستقبل كذلك لن يحمل للسعودية إلا أخبارا سيئة فيما يتعلق بعلاقاتها بواشنطن. المرشح الجمهورى الأهم دونالد ترامب ذكر أن «السبب الرئيسى لدعمنا للسعودية هو حاجتنا للنفط، ولكننا الآن لا نحتاج كثيرا إلى نفطهم، وبحال تغير الحكم بأمريكا فقد لا نحتاج نفطهم على الإطلاق ويمكننا ترك الآخرين يتصارعون حوله»، وأضاف: «أن السعودية دولة ثرية وعليها أن تدفع المال لأمريكا لقاء ما تحصل عليه منها سياسيا وأمنيا، والسعودية ستكون فى ورطة كبيرة قريبا، وستحتاج لمساعدتنا.. لولانا لما وجدت وما كان لها أن تبقى».
أما المرشحة الديمقراطية ذات الحظوظ الأكبر هيلارى كلينتون فتشير تقارير عدة إلى تأييدها مشروع القرار مما يوحى بإمكانية مقاضاة النظام السعودى بعد انقضاء حكم الرئيس أوباما.