هموم مصرية.. حكاية شارلى وزيون - ليلى إبراهيم شلبي - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 12:01 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هموم مصرية.. حكاية شارلى وزيون

نشر فى : الجمعة 21 يوليه 2017 - 8:45 م | آخر تحديث : الجمعة 21 يوليه 2017 - 8:45 م
كاتب سعيد الحظ من يستشعر التجاوب بينه وبين قرائه أما من هو أسعد حظا فهو الكاتب الذى يأنس لقرائه فلا يضطر لارتداء الأقنعة إنما يأنس إليهم فيخرج إليهم دائما بملامح حقيقية دون رتوش وكله ثقة أنهم ألقوها وبها هم راضون مطمئنون. ولطالما تمنيتها على ألا أن أكون من هؤلاء.. أما لماذا هذا الحديث اليوم فلأننى اليوم أكتب عن مشاعر محيرة انتابتنى وتساؤلات داهمتنى لا أعرف لها جوابا ربما كان من القراء الأعزاء من يملك لها تفسيرا أو يعيننى على حلها.

انشغل العالم هذا الأسبوع بالعديد من الموضوعات استوقفنى منها بعض مما أهتم به عادة: التقدم العلمى ومجالات الصحة عامة. الخبر الأول كان ما صنعته خبرا للصفحة هذا الأسبوع: قصة طفل العاشرة الذى بتروا يديه وهو فى الثانية من عمره وزرعوا له كلية أمه فى الرابعة وفى الثامنة زرعوا له يدين من متبرع فى نفس عمره وفصيلة دمه ولون جلده توفاه الله وكان لوالدين من كرم النفس وسعة الأفق أن تبرعا بأعضائه لمن يحتاجها من أقرانه. فى العاشرة من عمره أصبح زيون هارفى قادرا على ضرب كرة البيسبول بقوة مستخدما كلتا يديه المزروعتين. أصبح أيضا قادرا على لمس وجنتى أمه بحب وكتابة خطاب شكر لفريق العمل الذى ضم أربعين منهم عشرة جراحين والبقية من الأطباء والفنيين والمساعدين والممرضين. حتى عقل الطفل استجاب لروعة العمل العلمى والإنسانى فالتقط الاشارات ليتواصل مع اليدين المزروعتين والتى لم يرفضها الجسم كما يبدو متوقعا.

هى بلاشك معجزة علمية إنسانية من صنع المخلوق بهدى الخالق تستحق التأمل والكثير من التفكير. استعراض التفاصيل من وجهة نظر أمريكية يدفعك لرفع الرأس فى تعال بالحضارة الغربية التى تعلى من شأن الإنسان وتضمن له حقا أكيدا فى العلاج والصحة والحياة فماذا إذا راقبنا ما حدث من الجانب المصرى؟

لست أبدا من المعجبين بصورة مطلعة بالحضارة الغربية ولست من حسنى الظن بما يبدو منها بين ملامح مطلية بألوان إنسانية تجاه دول العالم الأخرى خاصة تلك التى ألحقوا بها الدمار ونحن منهم. أعرف جيدا من أين سيغطى «ترامب» تكلفة برامج التأمين الصحى فى بلاده ويدفع مرتبات أصحاب الوظائف الجدد بعد خروجهم من طابور الإعانات الاجتماعية والبطالة.

رغم المرارة التى تملأ فمى أثق تماما فى أن من سيقرأ كلماتى اليوم سيتفهم موقفى وأنا أرفع العنق لأنحنى أمام نظام للتأمين الصحى الشامل ضمن لطفل أمريكى أسود كل فرص العلاج المستحيلة التى ضمنت له حقه الكامل فى الحياة.
ما إن انتهيت من قصة زيون حتى بدأت حكاية «شارلى» الطفل البريطانى الذى جاء للدنيا بعيب جينى يجعل من حياته استحالة. غابت عن شارلى وحدات الطاقة «الميتوكوندريا» فأصبح اعتماده كاملا على أجهزة التنفس الصناعى وإلا اختنق بين ضلوعه وانتهى أمره. جاء ترتيب شارلى السادس عشر على قائمة ذلك المرض النادر الموجود والذى تم اكتشافه مؤخرا ومازالت علاجاته فى مرحلة التجريب.

«اقترح الأطباء فى المستشفى الانجليزى العريق أرمونت ستريت» greot armond sriut أن يسحبوا أجهزة التنفس ليلقى الطفل مصيره المحتوم فى كرامة فلا علاج لديهم يمكنهم تقديمه. قامت الدنيا ولم تقعد حتى الآن: اختصمهم الأب والأم لدى القضاء العالى الإنجليزى الذى حكم بسحب الأجهزة حتى لا تستمر معاناة الرضيع فلجأ الأب والأم لمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية. طار أطباء الولايات المتحدة إلى بريطانيا لمناظرة الطفل وحينما انتبهوا رفض أطباء بريطانيا العظمى أن يتولى الأمريكيون علاجه فى بريطانيا. عرض بابا الكاثوليك جواز سفر من الفاتيكان لنقل الطفل وعائلته للعلاج فى إيطاليا تحت إشراف الأمريكان. دونالد ترامب صاحب القلب الكبير أصدر قراره بمنح الجنسية الأمريكية للطفل وأسرته حتى يمكنهم السفر بأمان لمعقل الإنسانية فى العالم أمريكا للعلاج حتى لو كان تجريبيا فى مستشفياتها. 

أعزائى: هل اقتنعتم الآن بأننى الأسعد حظا؟ لست بحاجة لأن أشرح لكم إذن حقيقة العراك الذى يستنزف تفكيرى الآن بين قناعة أكيدة أعتنقها فى أن المريض المصرى لا يجب أن ينتظر موته قبل صدور قانون للتأمين الصحى وبين معاصرتى لعجز الدولة عن توفيره لمواطنيها، بل وأنا من المشاركين فى استمرار العجز وزملائى رغم اعتناقنا لتلك القناعة.

يا عالم.. لدينا أمثلة لا حصر لها من شارلى وزيون يستحقون أى جنسية إنسانية.. لكنهم ورغم كل شىء لن يتنازلوا عن جنسيتهم المصرية وهذا ما أتمناه.

 

التعليقات