إحياء الجبهة السيكولوجية فى الصراع مع الصهيونية - محمد عبدالمنعم الشاذلي - بوابة الشروق
الجمعة 6 سبتمبر 2024 6:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إحياء الجبهة السيكولوجية فى الصراع مع الصهيونية

نشر فى : الأحد 21 يوليه 2024 - 6:20 م | آخر تحديث : الأحد 21 يوليه 2024 - 6:20 م

منذ بداية قضية فلسطين على الساحة العربية وقد تصدينا لها كعرب منذ البداية على جميع الأصعدة وكل الجبهات؛ فعلى المستوى الشعبى كانت ثورات الشعب الفلسطينى احتجاجا على سماح بريطانيا بتدفق اللاجئين من عام  1936وعام1939، وتصدينا لها سياسيا برفض قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لسنة 1947 تقسيم فلسطين ورفض الاعتراف بإسرائيل وبشرعيتها، وتصدينا لها عسكريا لمنع قيامها فى حرب 1948، ولما تعثرنا فى تحقيق ذلك تتابعت الحروب فى 56 و67 وحرب الاستنزاف وحرب 73 واستمرار الحرب ممن رفعوا سلاح المقاومة فى فلسطين وفى لبنان وآخرها الملحمة الدائرة فى غزة.

تصدينا لها اقتصاديا بالمقاطعة التى ظلت قائمة لسنوات طويلة حتى تخلينا عنها بعد معاهدات السلام والضغوط الإمبريالية، لكنها عادت مجددا من الشعوب الواعية التى باتت تقاطع سلع الشركات التى دعمت بشكل فج الجيش الإسرائيلى وهو يقتل الشعب الفلسطينى الأعزل.

تصدينا لها حتى فنيا بمجموعة من الأناشيد الرائعة مثل قصيدة فلسطينى التى كتب كلماتها على محمد طه ولحنها وغناها محمد عبدالوهاب، ونشيدى زهرة المدائن، وجسر العودة اللذين غنتهما فيروز من كلمات وتلحين الأخوين الرحبانى.

•  •  •

إلا أننا للأسف تخلفنا عن التصدى لجبهة أراها عظيمة الأهمية فى حربنا ضد إسرائيل والصهيونية العالمية وهى الجبهة السيكولوجية. لعل من أسباب تغول الصهيونية هى إدراكها لأهمية البعد السيكولوجى فاستغلته إلى أقصى الأبعاد للنفاذ إلى العقل الباطن واللاوعى لشعوب الدول القوية المسيطرة، وكان من أهم أدواتها فى تحقيق ذلك العالم النفسى Idward Barney، ابن شقيقة مؤسس علم النفس سيجموند فرويد مؤسس علم العلاقات العامة.

لعل أول ما اهتمت به الصهيونية هو تحطيم القناعة المسيحية بمسئولية اليهود عن صلب السيد المسيح وهى القناعة التى كانت سببا فى ازدراء اليهود وكراهيتهم فى الدول المسيحية، ونجحوا فى ذلك ونجح المسعى الصهيونى عن طريق العمل المنهجى الأكاديمى المدروس سيكولوجيا وسوسيولوجيا.

التحرك السياسى المكثف عندما برأ بابا روما فى ستينيات القرن الماضى اليهود من دم المسيح مؤكدا أن يهود العصر الحالى لا يمكن تحميلهم وزر خطيئة أجدادهم. أثارت هذه الفتوى التى صدرت متزامنة مع الفاتيكان الثانى أقامه البابا لما ذكره بضرورة تطوير الكنيسة الكاثوليكية كثيرا من اللغط خاصة وأنه يتعارض مع ما جاء فى سفر التكوين عن الخطيئة الأولى التى يعاقب عليها الإنسان مدى الحياة وهى عصيان آدم لربه وخروجه من الجنة، فإن كنا نحاسب على معصية آدم ألا يحاسب اليهود على قتل المسيح؟!

خطوة هامة فى اقتحام اللاوعى المسيحى ولكن على قدر أهميتها فهى أصغر من حدث كبير وقع قبلها بأكثر من ثلاثين سنة وهو حملة الاضطهاد والتطهير العرقى التى تعرض لها اليهود فى ألمانيا والبلاد الأوروبية التى وقعت أثناء الحكم النازى والحرب العالمية الثانية وهو ما أطلق عليه المحرقة. جعلت الرعاية الصهيونية من المحرقة بقرة مقدسة غير قابلة للمراجعة أو التحقق من أبعادها إلى درجة تعرض من يراجع الأرقام المطروحة بالمراجعة للعقاب والسجن مثلما حدث للمفكر الفرنسى روجه بارودى، وجعلت منها دافعا لإحياء وعد بلفور بتأكيد ضرورة إنشاء وطن قومى لليهود يجدون فيه الحماية والأمان.

•  •  •

لم تمر سوى ثلاث سنوات على نهاية الحرب العالمية الثانية حتى تحقق الحلم الصهيونى بقيام دولة إسرائيل واستمرت الحملة السيكولوجية الممنهجة لاختراق اللاوعى الجمعى لتجميل الدولة اليهودية، واستخدمت أهم الأسلحة المؤثرة وهى مؤسسة هوليود والسينما العالمية، فصدرت مجموعة من الأفلام التى كرست لها ميزانيات هائلة وجند لها أكبر نجوم السينما من فيلم الوصايا العشر بطولة بول براينر وتشارلتون هستون، وفيلم الخروج Exodus من بطولة بول نيومان، وفيلم عازف البيانو، وحوالى عشرين فيلما عن الطفلة الهولندية آن فرانك، وفيلم قائمة شندلر، وتوجت كل هذه الأفلام بجوائز الأوسكار.

نجحت هذه الحملة فى إقناع العالم أن اليهود قوم مسالمون مظلومون مضطهدون، ولعل ما ساعد هذه الحملة الأسلوب العربى فى مواجهتها على الصعيد الفنى بأغانٍ وأناشيد كان أكثرها فجاجة ما غنته فايزة كامل «صاروخ على تل أبيب» وما غناه محمد سلمان مناديا علم العروبة بقوله «لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما»، والمجموعة وهى تغنى «أبو خالد يا حبيب بكرة هندخل تل أبيب».

بعد حرب 67 كان لابد من تغيير الرسالة بعد أن انتصرت إسرائيل انتصارا كاسحا على العرب، ولم تعد صورة الراعى الصغير داوود الأعزل إلا من مقلاعه أمام جالوت المارد الجبار المدجج بالسلاح والدروع تجدى، فتحولت الآلة الدعائية النفسية لتقديم إسرائيل على أنها الدولة المتقدمة المتحضرة واحة المدنية والديمقراطية فى محيط متوحش متخلف تُبرز نبوغ الشعب اليهودى بنسبة الحاصلين على جوائز نوبل من اليهود، ونسبة اليهود من النابهين فى الفنون والعلوم والإعلام، والترويج لإسرائيل الدولة الديمقراطية الوحيدة وسط محيط قمعى والتغطية على الحقيقة بأن غير اليهود يعيشون فيها فى جو قمعى ظالم مهين، ولعل مهارة الحس السيكولوجى للحملة الصهيونية أدركت أن هذا هو حال الديمقراطية الغربية كلها خاصة الولايات المتحدة التى عاش فيها السود والآسيويون والسكان الأصليون والمكسيكيون فى دونية مزدراة.

•  •  •

لعلنا نعيش هذه الأيام فى مرحلة فارقة فى صراعنا مع الصهيونية وإسرائيل، فبعد أحداث غزة الأخيرة التى رفعت الستار عن الوجه القبيح لإسرائيل والجرائم البربرية التى ارتكبتها وما زالت ترتكبها لقتلها عشرات الآلاف من المدنيين العزل نسبة كبيرة منهم من النساء والأطفال، وانتهاجها المنهج النازى الهتلرى فى الإبادة الجماعية والتطهير العرقى، وأثر ذلك على المجتمع الدولى الذى دفع العديد من الدول إلى التحرك ضد إسرائيل فى محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، وردود الفعل الشعبية فى الدول التى كانت حليفة تقليدية لإسرائيل وتدعمها دون قيد أو شرط فانطلقت المسيرات والمظاهرات تندد بها وبجرائمها فى الجامعات وبين الطلبة والأجيال الشابة، وارتفاع أصوات إعلامية وشخصيات عامة وفنية ضدها.

كل ذلك يجعل الجو ملائما لشن حملة عربية مدروسة تنفذ على يد خبراء فى مجال علم النفس وعلم الاجتماع والإعلام لمواجهة جبهة إسرائيل السيكولوجية لاقتحام العقل الباطن واللاوعى الجمعى الأوروبى لتطهيره من الأوهام التى تعرض لها، وإسقاط ورقة التوت التى تخفى عورة إسرائيل والصهيونية وجرائمهما فى حق الإنسانية وأعمال الإبادة والتطهير العرقى التى قامت بها من أيام اللد والرملة وقبية وصابرا وشاتيلا، وقتل الأسرى المصريين العزل فى سيناء، وقتل الطفل محمد الدرة، والناشطة الأمريكية راتشيل كوري، والاغتيالات التى قام بها جهاز الموساد، وأكذوبة الديمقراطية الإسرائيلية التى يتخفى وراءها نظام أبارتايد عنصرى إرهابى كريه.

الفرصة مواتية فلنتحرك جميعا كعرب بأسلوب علمى مدروس ولا نضيع هذه الفرصة.

محمد عبدالمنعم الشاذلي عضو المجمع العلمي المصري
التعليقات