رغم الفرح والارتفاع الكبير فى استطلاعات الرأى لصالح كامالا هاريس ومرشحها لمنصب النائب، تيم والز، إلا أن هذه الانتخابات لن تكون استفتاءً على أداء الإدارة الأمريكية الحالية فى ملفات التضخم أو الهجرة أو السياسة الخارجية، بل ستكون استفتاءً على أى نوع من الرجولة سيفوز فى أمريكا.
بداية، الرجولية هى عبارة عن مجموعة من الصفات أو السمات التى تعتبر مميزة للرجال أو الصبيان. هناك الرجولة المستنيرة التى يجسدها زوج هاريس اليهودى، دوج إمهوف، ونائبها تيم والز. يعد هذان الرجلان من الآباء التقدميين الطيبين، «الرجال الطيبون من اليسار»، الذين يقومون بمهام ذكورية مثل تدريب كرة القدم إلا أنهم يتسمون بفضائل ليبرالية ونسوية، مثل كونهم «محترمين» و«داعمين لحقوق المرأة» و«ملتزمين بالشراكة» فى الزواج والسياسة على حد سواء. والز على وجه الخصوص يعتبر نموذجا للأبوة الليبرالية: أى «رجل عادى»، وبالمناسبة العالم يحتاج إلى تذكيره بأن الرجل العادى هو فى الواقع أمر رائع جدا.
من ناحية أخرى، هناك الجانب المظلم من الرجولة أو «الرجولة السامة» ونموذجها دونالد ترامب ونائبه على بطاقة الاقتراع جى دى فانس، إذ يمثل هذان الرجلان ما يعرف باسم «النظام الأبوى الجديد»، نظام يدعى أنه يسمح بقدر أكبر من الحقوق النسوية مقارنة بالنظام الأبوى القديم، لكن يحث الرجل على أن يكون قويا والمرأة على إنجاب الأطفال دون القول بشكل صريح أن على المرأة أن تخضع لزوجها أو تبقى فى المنزل.
يعتقد أتباع النظام الأبوى الجديد أننا نعيش فى عصر يضع فيه الناس تحقيق الذات فى المقام الأول قبل كل شىء. ويزعمون أن الشباب يعيشون فى مرحلة مراهقة طويلة، ومع تقدمهم فى السن، تحل محل اللذة التركيز على المال والمهنة. ووفقًا لأتباع هذا النظام، فإن النموذج الليبرالى يفسد الرجل والمرأة على حد سواء، كما يجعل المجتمع يفشل فى إنتاج الأطفال الذين تشتد الحاجة إليهم إذا قُدر للبلاد أن يكون لها مستقبل. لذا الحل، بالنسبة لهم، هو العودة إلى الماضى. وينبغى للدولة أن تلعب دورًا فى تشجيع هذه العودة، من خلال تغيير السياسات لتنمية الفضائل «الرجولية» وتشجيع الزواج وتربية الأطفال.
يجد التيار الليبرالى واليسارى مشكلة مع النظام الأبوى الجديد. فإذا كان من المفترض أن يتم إنجاب المزيد من الأطفال، ومن المفترض أيضا أن يكون الرجال أكثر ذكورية، فمن الذى يفترض أن يقوم بتربية كل هؤلاء الأطفال؟ والإجابة بالطبع هى الزوجات. صحيح لا تدعو الأبوية الجديدة صراحة إلى ذلك، ولكن هذا هو ما تسعى إليه فى الأساس. إذ نادرًا ما تطرح فكرة أن الرجال ينبغى أن يكونوا أرباب بيوت (يقومون بالأعمال المنزلية وتربية الأطفال)، ولكن كثيرًا ما تشير إلى أن النساء أكثر سعادة فى المنزل.
على كل، ليس النسويات فقط من لديهن مشاكل مع الأبوية الجديدة. هناك فئة من التيار المحافظ، معظمهم من الرجال الذين يحتقرون بالفعل اليسار لأنه يخبرهم بما يجب عليهم فعله مثل (لا تحدقوا فى المرأة أو لا تستخدموا ضمائر المذكر لامرأة متحولة جنسيا)، لكن نفس المجموعة تستمتع بالحفلات والجنس خارج إطار الزواج وتستاء من الناس الذين يطلبون منهم التوقف عن ذلك.
ومع ذلك، النظام الأبوى الجديد لا يناهض بالضرورة حقوق المرأة، والدليل أن فانس، وهو من رسل النظام الأبوى الجديد، متزوج من محامية ناجحة للغاية. كما أن عالم الاجتماع، براد ويلكوكس، وعالم السكان، ليمان ستون، أكدا أن الأسر التقليدية الجديدة تظهر أنماطًا متساوية نسبيًا من تقاسم الأعباء بين الزوجين ومشاركة الأب القوية فى تربية الأطفال.
لكن هل توصل النظام الأبوى الجديد إلى حل لكل شىء فى المجتمع؟ الإجابة لا.. فلا تزال الأبوة المحافظة سامة بشكل واضح مقارنة بالأبوة الليبرالية، إلا أن الليبرالية أيضا فشلت فى تطوير نموذج الرجولة الحديثة، لماذا؟ أولا: بعد بيل كلينتون وإليوت سبيتزر (حاكم ولاية نيويورك الديمقراطى الذى استقال بعد فضيحة جنسية)، يمكننا بالتأكيد أن نقول إن السلوك المنحرف يصيب الرجل النسوى (المستنير) والرجل المحافظ على حد سواء.
ثانيا.. الأب التقدمى الهادئ فى تربية الأطفال قد يخلق مشاكل فى فترة المراهقة، لأن لديه اعتقادا مضللا مفاده أن الأطفال من المفترض أن يكونوا أكثر استنارة من آبائهم، وأن الأب الجيد يستمع ويتعلم من أطفاله، لكن فى الحقيقة، يحتاج معظم الأطفال إلى مزيد من الانضباط والتوجيه من الكبار والأساس النفسى والدينى قبل أى شىء.
روس دوثات
American enterprise institute
ترجمة: ياسمين عبداللطيف