لعب عيال - غادة عبد العال - بوابة الشروق
الخميس 19 ديسمبر 2024 1:15 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لعب عيال

نشر فى : الخميس 21 أكتوبر 2010 - 10:30 ص | آخر تحديث : الخميس 21 أكتوبر 2010 - 10:30 ص

 يجلس الشاب الأخرق أمام الفتاة الجميلة فى إحدى الحانات الموجودة داخل حرم جامعة هارفارد (آه فيه حانات جوه الجامعة، سلو بلدهم مالناش دعوة بيه)، يتحدث فى سرعة تشى بعدم الثقة بالنفس عن حلمه بالالتحاق بإحدى المجموعات، التى تنتشر داخل الجامعة، والتى تقتصر اختيارات رؤسائها غالبا على الطلاب «الكول» اللى مقطعين السمكة وديلها حيث لا تشتمل مؤهلات الالتحاق بهذه المجموعات على عامل الذكاء ولا التفوق الدراسى. الشاب تعتصره الرغبة فى أن يكون شاب «كول» ويحلم بأن ينتمى لإحدى هذه المجموعات، لكنه لا يمتلك المميزات الاجتماعية اللازمة،

تمل الفتاة من سماع حديثه الذى يبدو وكأنه قد أعاده على مسامعها مئات المرات وتقرر الانفصال عنه رغم محاولاته البائسة للتمسك بها. يعود إلى حجرته بالجامعة سكيرا ومقهورا فيستخدم مهاراته فى ال«هاكينج» للحصول على معلومات وصور طلبة الجامعة «الكول» وينشئ موقعا اجتماعيا صغيرا على الإنترنت بهدف جذب اهتمام صديقته السابقة (بالذمة مش حاجة تقطع القلب؟)،

لكن هل يا ترى توقع «مارك زوكربيرج» فى تلك الليلة، التى وضع فيها بذرة العملاق المسمى «فيس بوك» أن هذا الموقع الذى بدأه كموقع اجتماعى بحت سيتحول لتلك الأداة، التى تقض سرير حكومات العالم الثالث وتمنح شبابه صوتا كانوا فى أمس الحاجة إليه؟

فى هذه المنطقة من العالم لا يحب الكبار أن يستمعوا لأصوات الصغار، والكبار قد يكونون كبارا سنا أو مقاما أو فقط كبارا لأنهم يحتلون مناصب حكومية كبيرة، بينما الصغار فى أنظار هؤلاء الكبار هم كل من يقفون على الجانب الآخر ويتحينون الفرصة لتعلو أصواتهم فى اعتراض. ولأن الكبار ما بيحبوش وجع الدماغ ولا فاضيين للعب العيال ده تجدهم يستخدمون كل ما يجدونه من وسائل لإخراس كل الأصوات المعارضة، بل وفى وأد الرغبة فى الاعتراض عند عامة الشعب عن طريق تضييق الخناق على حريتهم فى التعبير منذ نعومة أظافرهم، خد عندك بقى..

من الرقابة على الصحافة لإلغاء البرامج الحوارية لإغلاق القنوات التليفزيونية لتزييف الإنتخابات الجامعية لتحرير مجلات الحائط وحتى مراقبة مواضيع التعبير، التى يكتبها تلاميذ الكى جى تو، من الآخر ما بيغلبوش، ثم يعود الكبير منهم إلى سريره، وينام ملء عينيه ظانا أنهم بفعلهم كل هذا قد قاموا بالواجب وعملوا اللى عليهم وعداهم العيب وأزح.. لكن يستيقظ هذا الكبير يوما ما من النوم على دوشة اسمها المدونات أو صداع اسمه الفيسبوك أو صفاقة اسمها التويتر يستخدمها العيال ليلتقوا ويتناقشوا ويعترضوا وينقلوا أحداثا على الهواء فيبدأ القلق، وتبدأ المباحثات حتى يفيض الكيل فيقترح أخينا غلق مصدر الإزعاج بالضبة والمفتاح ويا دار ما دخلك شر، لكن هل يظن هؤلاء أن عجلة التقدم ستتوقف يوما؟ هل يجهلون أن العالم الذى صار بحق قرية صغيرة قادر على الاتيان كل يوم بوسيلة جديدة تجعل من التواصل والتلاقى وحرية إبداء الرأى أشياء تقع على بعد لمسة الإصبع من أى إنسان؟ على أثر الحملة الأخيرة من التضييق على الصحف والبرامج الحوارية والقنوات الفضائية والتلويح بإغلاق الفيسبوك والتويتر، لا يسعنى إلا أن أبدى اندهاشى من استخدام الكبار لتلك الوسائل الفجة، التى عفا عليها الزمن، ألا يستطيعون على الأقل الاتيان بقرارات أذكى وأقل فجاجة؟ متى سيدركون أن الأصوات المعارضة ليس هدفها بالضرورة إقصاءهم عن كراسيهم العالية؟ ألا يمكن أن يضعوا فى الاعتبار أن من يعترض إنما يعترض على وضع سيئ لرغبته فى تحسنه للأفضل؟

ألا يلمسوا بين طيات الأصوات المعترضة نبرة حسرة على حال البلد وما آلت إليه؟ ألا يرون أن تضييق الخناق على الوسائل الشرعية للاعتراض، إنما سيدفع بالكثيرين للانخراط فى كيانات أخرى غير شرعية فقط لأنها الساحة الوحيدة المتاحة لتنطلق منها أصوات الاعتراض؟ على كل فالعجلة لن تتوقف، وكما لم يتخيل «مارك زوكربيرج» أن يتحول موقعه الاجتماعى إلى تلك الأداة السياسية المؤثرة المخيفة للكبار، فستظهر مواقع أخرى وأدوات جديدة يستخدمها «العيال» استخدامات لم تخطر على بال مخترعيها ولا على بال الكبار، فالشاطرة يمكنها دائما أن تغزل برجل حمار.

التعليقات