النظارة السوداء - محمود قاسم - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 12:00 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النظارة السوداء

نشر فى : الجمعة 21 أكتوبر 2022 - 7:40 م | آخر تحديث : الجمعة 21 أكتوبر 2022 - 7:40 م

إحسان عبدالقدوس كاتب له سماته البارزة فى الكتابة سواء الأسلوب، أو اختيار الشخصيات التى يكتب عنها، خاصة النساء، وقد امتلأت صفحات كتبه بقصص حب متقاربة، وأبطال هذه القصص من بنات الطبقات الراقية الجميلات الممشوقات الباحثات عن إشباع الرغبة، وهناك مرحلة بعينها عاش فيها المؤلف ما يسمى بالمراهقة الكتابية، فالبطلات متعطشات للجنس مؤمنات بالحرية الجسدية، ويسلمن أنفسهن للرجل بسهولة بالغة، وهذه المرحلة تسمى بالكتابة المنقوطة بمعنى أن هناك رجلا وامرأة يلتقيان فى فراش ثم يمارسان الجنس وبدلا من التفصيلات فإن الكاتب يترك سطوره عبارة عن نقط متجاورة ليترك لخيال القارئ أن يتصور ماذا يحدث بين هذه النقاط وقد كنت إحدى ضحايا هذه الكتابات وقد تخيلت ماذا يحدث بداخلها فى روايات منها «النظارة السوداء»، «أنف وثلاث عيون»، «الخيط الرفيع»، وغيرها. وفى السينما فإن الرقيب كان يتدخل دوما فى حالات أن تنطق هذه النقاط بواقع مخدوش جرىء، وكانت من بطلات هذه القصص إما بنات ليل أو بنات أصول تحررن بأجسادهن مثل شخصية ماجى فى النظارة السوداء وهى حسب النص الأدبى فتاة أجنبية غير مسلمة متعددة العلاقات، موجودة فى النادى لا تنظر إلى شىء آخر غير أعلى سيقان الرجال، وفى الفيلم الذى أخرجه (حسام الدين مصطفى) تغيرت هذه الشخصية كثيرا عدا النظارة السوادء التى ترتديها، فى فيلم صار اسمها مديحة أو مادى أى أنه تم تمصيرها لتكون واحدة من بنات نادى الجزيرة، وفى تلك الفترة من الخمسينيات كانت هذه النوادى مليئة بالأجانب ونادرا ما كنا نرى مصريات عضوات فى هذه النوادى إلا القليل اللائى كن يتمددن عند حمامات السباحة شبه عاريات، مما يعنى أن ماجى كانت منفصلة تماما عن المجتمع المصرى، أما مديحة فهى مصرية سرعان ما تكشف أنها منتمية إلى هذا الوطن فتحمل سمة الالتزام وتدافع عن العمال حتى وإن صدمت فى سلوك حبيبها عمر.
ماجى أحبت عمر ورأته شخصا مختلفا، بينما انسلخت مديحة من عالمها القديم الملىء بالوحل بمنظورنا نحن المصريين وصارت فتاة نقية تحب المهندس وتذهب معه إلى عالمه، وعندما ينحرف المهندس ويقع فى موطن إغراء ابنة صاحبة المصنع فإن مديحة تظل تؤدى رسالتها وتساعد العمال فى الحصول على حقوقهم حتى تتمكن من إعادة عمر إليها مرة أخرى.
النظارة السوادء هو الرابط الوحيد بين الفيلم والرواية حيث اختلفت تفاصيل الأحداث كثيرا باعتبار أن المرأة صاحبة النظارة لا ترى إلا لونا واحدا، هو لون زجاج العوينات، وفى نهاية الفيلم فإن المهندس يعود إلى حبيبته يحطم النظارة إلى الأبد معلنا أنه مثلما غيرها غيرته.
لا يمكن فهم هذه الحواديت وتفاصيلها إلا بمقارنة النص السينمائى بالأدبى، وهذا الأمر تكرر بشكل ملحوظ فى عمل آخر وهو الخيط الرفيع، فـ الأستاذ لا يختلف كثيرا عن عمر، وأعتقد أن هذا المهندس كان مقدمة لظهور العاشق الصعلوق الذى أحب العاهرة ولكنه لم يفهم أن هناك خيطا رفيعا بين الامتلاك والحب، وهكذا فإن قراءة كتاب واحد للمؤلف لا يكفى بل عليك أن تقرأ جميع أعماله حتى وإن لم تكن تحولت إلى أفلام ثم مشاهدة الأفلام وبذلك نكون قد احتوينا بالفهم عالم إحسان عبدالقدوس وهذه هى السمة التى نؤكد عليها فى مقالاتنا فى عصر اليوتيوب ونجددها من وقت لآخر.

التعليقات