الصحافة الطبية أحد ألوان القراءة التى تنامت شعبيتها فى السنوات الأخيرة، لا تخلو الآن مطبوعة من بعض الكتابات التى تهتم بصحة الإنسان وشئون تغذيته، بل هناك أيضا العديد من المجلات والدوريات المتخصصة فى كل ما يثير انتباه الإنسان المهتم بقواعد التغذية السليمة والوقاية من أمراض العصر كالسمنة والسكر وأمراض الشرايين وأثر الضغوط النسية والعصبية والتدخين وانتشار الأمراض الفيروسية. تتنوع المعلومات وتختلف طرق كتابتها وعرضها. الأمثل أن تكتب المعلومة بطريقة بسيطة يسهل وصولها لعقل القارئ، لكن الأهم أن يكون قوامها الصدق العلمى فهل هذا ما يحدث دائما؟
تبادر إلى ذهنى السؤال وأنا أطالع إحدى المجلات الواسعة الانتشار فى ذات المجال تتحدث عن كيف تفقد عدة أرطال من وزنك. ذكر المقال عددا من الأغذية التى يمكنها أن تساعد على فقدان الوزن بصورة أو بأخرى فذكر منها الجبن، وذكر الكاتب أن الجبن أهم مصدر للكالسيوم وأن محتواه منه يجعله على قائمة الأطعمة الحارقة للدهون والسعرات الحرارية.
المعلومة صحيحة وإن كانت قاصرة. اللبن هو أساس كل منتجات الإنسان ومحتواه من عنصر الكالسيوم بالفعل يفوق أطعمه كثيرة. لكن الكالسيوم فى الجبن هو ذاته نفس نسبة الكالسيوم فى اللبن خالى الدسم. فأيهما تفضل اختياره إذا ما رغبت فى اتباع نظام غذائى يفقدك الزائد من وزنك؟
تحدث الكاتب بأسلوب لا يخلو من رشاقة عن الكالسيوم وفوائده فى الجبن، وأغفل أن للجبن أنواعا وأشكالا متعددة تتراوح نسبة الدهون فيها بين ١٨٪ لأنواع الجبن المصنوعة قليلة الدسم عمدا إلى نسب تتعدى الثمانين بالمائة لأنواع الجبن الأخرى الغنية بالدهون والطعم.
صياغة المعلومات الطبية وحقائق التغذية أمر يجب أن يخضع لقراءة متأنية ممن يتابعها وخلفية معلوماتية تتيح له أن يختار منها ما يلائمه فيعمل به.
قد تكون المعلومة صحيحة كالمثل السابق لكنها ناقصة أو غير سياقها.
أنا لا أنفى مسئولية الكاتب لكنى أنبه لنوع الكتابة. لو أراد فائدة القارئ الخالص لذكر نسب الكالسيوم فى أطعمه أخرى يقل فيها الدسم بالفعل. ولو أراد أن يختار الجبن كمثل لمصادر الكالسيوم لاختار بالطبع ما نعرفه فى بلادنا بالجبن القريش، وأضاف وصفة شهية تجعل منها طعاما مقبولا غنيا بالكالسيوم فقيرا فى الدهون يساعد بالفعل على التخلص من الوزن الزائد.
مجرد ملاحظة عزيزى القارئ أرجو أن تذكرها وأنت تطالع صفحات ملونة لتعرف أصلها الأبيض والأسود.
الوجه الآخر للإعلام الصحى هو بلا شك أقوى تأثيرا وأوقع أثرا: الإعلام المرئى وإعلانات التليفزيون. يتم ذلك إما بصورة مباشرة كإعلانات ملونة بهيجة يؤديها فنانون يتمتعون بقاعدة عريضة من المعجبين، كذلك الإعلان الذى يتردد كل ثلاث دقائق ويفسد على المشاهدين متعة متابعة أى مسلسل فى ما قد يسميه الإعلاميون وقت الذروة: إعلان عن نوع من الجبن الصناعى الذى يدخل فى تركيبه اللبن خالى الدسم والزيوت النباتية وتضاف إليه نكهات مختلفة يفقده الطعم الأصيل للجبن الأبيض المصنوع من اللبن الخالص وتقدمه للمستهلك صورا ممسوخة من الجبن الرومى والركفورد وغيرها. إذا افترضنا أن الممثل محدود العلم قليل المعرفة ولم يمر على مدارس تزوده بمعارف أساسية فكيف ترى أمر من أعد الإعلان وكتب مادته الأصلية؟ وكيف نتصور أن أصحاب الرأى والرقابة يجيزون إعلانا كهذا لمجرد وجود ممثلة بارعة الجمال تتصدر الإعلان وهى تتذوق الجبن بصورة مثيرة تنم عن استمتاع عظيم بها.
المثل الثانى هو ذلك الإعلان الذى يعرض بصورة تنمّ عن مشاركة علمية فى محتواها وبل مقدمته التى يشار إليها بأنها استشارية «تغذية» الإعلان عن سمن صناعى يحدد نوعين من السمن لا تدخل الهدرجة «إضافة الهيدروجين» أثناء التحضير بتمريرها كغاز فى الزيوت النباتية» فى تصنيعها الأمر الذى يوحى باختلاف النوعين عن كل ما يماثلهما من أنواع السمن الصناعى. الواقع أن استشارية التغذية أغفلت تماما أن الأمر فى الأساس هو زيت النخيل الذى يحظر العالم كله استعمالاته فى الغذاء الإنسانى.
نحتاج فى البداية رقابة على علم تنقى الإعلانات مما يضر الإنسان.
وعلى الإنسان بعدها أن يتأنى فى اختياراته ويبذل جهدا مناسبا ليقرأ بالفعل ما يعاونه على انتهاج منهج سليم يقوده إلى بر السلامة.
دمتم جميعا سالمين من شر كوفيد ـ ١٩ اللعين والإعلانات الملوثة