عندما بدأت موجات الخصخصة الأولى فى أوائل التسعينيات من القرن الماضى، حذر البعض من الآثار المدمرة التى يمكن أن تطال العمال فى هذه الشركات. وعلى الفور تحركت كتائب الحكومة الإعلامية للقول إنه لن يضار عامل واحد، وأنه تم الاتفاق مع مشترين على تأمين جميع حقوق العمال.
وعندما توسعت العملية ووصلنا إلى «أزهى عصور الخصخصة» مع الدكتور عاطف عبيد وزيرا ورئيسا للوزراء، حذر هؤلاء أنفسهم من أن الآثار الكارثية لن تطال العمال فقط بل ستدمر معها الاقتصاد بأكمله، فتحركت هذه الكتائب ذاتها مدعومة بأباطرة الاقتصاد الجدد لتتهم كل من يطالب بالتروى والتريث والدراسة بقائمة طويلة من التهم تبدأ من أنهم ناصريون أو شيوعيون، وتنتهى بأنهم جهلة و«غاويين فقر».
بعض العقلاء كتبوا وقتها أيضا وكأنهم كانوا يقرأون المستقبل، لم يطالبوا بالتأمين ووقف الخصخصة أو التوقف عن السير فى اقتصاد السوق كل ما طالبوا به أن يكون البيع عادلا وشفافا وبالثمن الحقيقى، وألا نبيع أصولنا بتراب الفلوس وأن تكون الضمانات بشأن العمال واضحة وأن يكون هناك تقييم لكل مرحلة بمعنى أننا لا يمكن أن نعطى شخصا واحدا مهما كان اسمه أكبر شركة فى أى مجال فى البلد ونتركه بمفرده يتحكم فى السوق.
جرى ما جرى وانتهينا الآن إلى كوارث قومية ومآسٍ إنسانية نراها واضحة فى كل مكان، وآخرها ما نراه الآن فى اعتصام عمال شركة طنطا للكتان، التى اشتراها رجل الأعمال السعودى عبدالإله الكعكى فى فبراير 2005 بمبلغ 83 مليون جنيه فقط، فى حين أن التقديرات تقول إن سعر أرض الشركة فقط يمكن أن يصل إلى 10 مليارات جنيه.
نموذج طنطا للكتان لم يكن الأول وبالتأكيد لن يكون الأخير، وطوال السنوات الأخيرة نراه يتكرر كثيرا وبنفس السيناريو: حكومة تبيع شركة كبيرة لمستثمر دون أى ضمانات حقيقية للعمال وفى بعض الأحيان تكون هناك تواطؤ وبنود سرية، وفى المقابل تعطى العمال وعود براقة، وبعد فترة تطول أو تقصر تبدأ اللعبة فى التكشف، ويتضح حجم النهب المنظم الذى تعرض له الاقتصاد الوطنى. ورغم وجود سياسة عامة للخصخصة سواء برغبة الحكومة أو ضغوط الغرب ومؤسسات التمويل الدولية فإن هناك مستفيدين تآمروا على اقتصاد البلد، واستفادوا استفادة شخصية. بريطانيا شكلت لجنة مستقلة للتحقيق فى ملابسات غزو العراق هذه اللجنة شكلتها، ووافقت عليها حكومة حزب العمال الحاكم، الذى اتخذ قرار الحرب فى عهد تونى بلير، الهدف أن يصلوا للحقيقة حتى لا يكرروا الأخطاء.
هل يمكن للرئيس حسنى مبارك بنفس المنوال أن يشكل لجنة لا نقول مستقلة بل تابعة له شخصيا كى تحقق فى عمليات بيع القطاع العام، وأين ذهبت الأموال ومن الذى استفاد وتضخم رصيده فى بنوك الخارج. لا نتهم أحدا شخصيا، لكننا نريد معرفة الحقيقة على الأقل حتى لا نقع فى نفس الخطأ مرتين، وحتى لا يناموا عمال طنطا للكتان أو غيرهم فى العراء أمام مجلس الوزراء، بينما الذين سرقوهم أو تآمروا عليهم ينعمون بالأموال الحرام دون رقيب أو حسيب.