قبول الفوز أو الهزيمة فى الانتخابات الرئاسية - نبيل فهمي - بوابة الشروق
الأحد 29 ديسمبر 2024 4:57 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قبول الفوز أو الهزيمة فى الانتخابات الرئاسية

نشر فى : الثلاثاء 22 مايو 2012 - 8:25 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 22 مايو 2012 - 8:25 ص

ساعات وتدخل مصر أول انتخابات رئاسية تنافسية حقيقية فى تاريخها الحديث، فى ممارسة لها أهمية لا يمكن المبالغة فى حجمها، والشعب المصرى يسعى لتحديد هويته السياسية من خلال الصندوق الانتخابى.

 

وأود بهذه المناسبة أن أترحّم على أرواح شهداء ثورة 25 يناير 2011، وأن أُحيى الثوار والمجتمع الذى التف حولهم، فوصولنا إلى هذه النقطة الفارقة تحسب لكم فى الأساس، لحبكم لمصر، ولتضحياتكم من أجلها، كما أشكر مرشحى الرئاسة الثلاثة عشر وحملاتهم الانتخابية على ما بذلوه من جهد، وأعنى ذلك صادقا دون تمييز أو استثناء، وبصرف النظر عمّن سوف أعطى له صوتى، أو من لا أتفق معه فى الرؤى، فقد بادروا بالمشاركة كل لأسبابه فى لحظة محورية من تاريخ مصر الحديث.

 

مصر على أبواب إبداء الرأى فى من تراه مناسبا لأعلى المناصب السياسية فى البلاد، ولأول مرة لا يعلم أحد من هو المرشح المرجح فوزه من ضمن خمس مرشحين على الأقل، ونجد أنفسنا فى حيرة من تغيرات استطلاعات الرأى بين يوم وليلة، وهو ما اعتبره تحولا صحيا للغاية وقلقا مرجوا ومطلوبا فى الساحة السياسية المصرية، وذلك رغم تحفظى على الكثير مما شهدناه من ممارسات سياسية، وتعارض ترتيب خطوات بناء الكيان السياسى المصرى الجديد مع المنطق فى كثير من الأحيان، على سبيل المثال وليس الحصر، إجراء استفتاء ثم إعلان دستورى، وانتخابات برلمانية قبل إعداد الدستور، ودخولنا الآن انتخابات رئاسية مع وجود مجلس شعب، ولم نناقش بعد سلطات رئيس الجمهورية، بل إن المرشح المتقدم لمنصب لا يعرف مهامه بالتحديد، والناخب مطلوب منه تقييم المرشحين لأداء مهمة غير محددة.

 

وعليه، هناك قصور وعيوب فى البنيان السياسى المصرى، ولن ينتهى كل ذلك بمجرد انتخاب رئيس الجمهورية، وسيكون علينا مواصلة المشوار الثورى، وعدم ترك المسئولية إلى الرئيس الجديد وأعوانه، والثوار الحقيقيون ومؤيدو الثورة هم الذين يتمسكون بالمبادئ والأهداف، ويطورون أداءهم حسب المرحلة والتحدى تحقيقا للغرض، وتأمينا للمصلحة، وهم الذين يتطورون من أصحاب ثورة خلع وعزل، إلى ثورة بناء وتنمية وعدالة. وإلا عدنا مرة أخرى إلى تألهه قادتنا، ثم هدم المعبد على من فيه.

 

●●●

 

وعلى الفائز فى الانتخابات الرئاسية ومؤيديه إذا كان حقا على مستوى المسئولية قبول التكليف بتواضع وحكمة، واضعا للبلاد رؤية تتمشى مع أطروحاته ومنهجيته وبرنامجه الانتخابى، وإنما بما يستوعب بنفس الترحاب من لم يصوتوا فى صالحه، بل وبما يفتح الباب لمشاركة أشد معارضيه.

 

وعلى من لا يوّفَق فى الانتخابات أن يقبل بالهزيمة الانتخابية بشرف وثقة فى النفس، فمن ضمن ثلاثة عشر مرشح لابد أن يفوز واحد فقط، وينهزم البقية، وإنما الهزيمة فى هذه الحالة هى بالفعل عمل إيجابى، فالمشاركة فى حد ذاتها إسهام من أجل مصلحة البلاد، والمرحلة المقبلة تتطلب الالتفاف حول الرئيس المنتخب للذين ينتمون للتيار السياسى الذى يمثله، أو من يرون العمل معه حتى من خارج هذا التيار، ومن لا يرى هذا أو ذاك، فمن حقه بل من واجبه أن يمارس دور المعارضة المشروعة من خلال آليات سياسية بالمجالس النيابية المختلفة، أو بإبداء الرأى وعرض البدائل، وبمحاسبة المسئولين من خلال المتابعة والحوار الدائم ومخاطبة الرأى العام وتحفيزه.

 

وفى الحقيقة لقد انزعجت فى الأيام الأخيرة كثيرا من تصريحات بعض مرشحى الرئاسة ومؤيديهم، بما يُفهم منها أن فور انتهاء الانتخابات على الكل أن يلتزم حدوده ويتجنب التظاهر، باعتبار أن فى ذلك مساس بالأمن أو الاستقرار وبهيبة مؤسسات الدولة، وانتابنى انزعاجا بنفس القوة من إشارات آخرين أن التظاهر سيكون هو السبيل إذا انتهت النتيجة لمرشح مختلف عن التيار الذى يمثلونه، وأسجل هنا بهذه المناسبة تحفظى الشديد على كلا الطرحين، وأعتبر أن كلا الموقفين يعكسان استمرارا لسياسات الماضى من تقدير الموقف أحاديا، ومن تخوين الرأى الآخر ويدلان على أن مفهوم الثورة لم يرس فى النفوس بعد، وأننا لم ننته من بناء المؤسسات التى تُحصِنها، وهى المهمة الرئيسية لمصر خلال مرحلة انتقالية ممتدة خلال الولاية الأولى للرئيس المصرى المنتخب. فلن يستطيع الرئيس الجديد منع التظاهر أو حق الاعتصام، فهذا حق للمواطن إذا استدعى الأمر. وفى المقابل ليس مقبولا أن تظل الممارسة السياسية فى الشارع فى المقام الأول، وإنما على المواطنين استخدام حق التظاهر عندما يخفقون فى طرح مواقفهم وإثارة مطالبهم فى إطار الآليات السياسية التقليدية، وفى جميع الأحوال يمارسونه فى إطار سلمى قانونى مشروع. فالثورة الحقيقية هى من خلال مشاركة كل الثوار من التيار المدنى، أو المنتمين للتيار السياسى الدينى، أو حتى غير الثوار، فى ثورة البناء السياسى، والاجتماعى، والاقتصادى ما بعد الانتخابات.

 

وطالما قبل المصريون المشاركة فى عملية انتخابية، فعليهم قبول نتائجها، إلا إذا وُجِد دليلا قاطعا على التزوير المخلّ للعملية الانتخابية، وإلا كان من الأجدى والأفضل عدم المشاركة فى العملية الانتخابية فى الأساس.

 

●●●

 

وأدعو الثوار ألا ينبهروا بنتائج الانتخابات إن فاز أحد مرشحيهم، وألا يُحبطوا إن أخفق مرشحهم المفضل، فالثورة لن تُنجز أو تخفق بمجرد فوز أو خسارة مرشح أو غيره، فالشعب المصرى يريد التغيير فى نظام الحكم ومصمم على ذلك، وإنما المشوار أمامنا لا يزال طويلا.

 

وأدعو التيار السياسى الدينى، وشبابهم من الثوار قبول نتيجة التصويت أيا كانت، فأهم دلالاته هى أن تياركم السياسى أصبح جزءا من المنظومة السياسية المصرية المشروعة، وكذلك أن مشاركة الشعب فى الانتخابات، وفى الحوار السياسى الوطنى بمستويات لم نشهدها من قبل هو تعبير قوى عن أنه لم ولن يفوضكم أو غيركم بالانفراد بإدارة سياسة بلاده.

 

وأدعو التيار السياسى المدنى بمختلف أطيافه من الثوار أو المثقفين، وفى اليسار أو اليمين أو غير ذلك، أن يقدر أيضا أن مصر لكل المصريين، وهو ما يتطلب منهم كذلك قبول نتيجة الانتخابات أيا كانت، ومواصلة مشوارهم حتى يتم بناء مؤسسات الدولة المصرية الحديثة على أسس ديمقراطية تتعدد فيها السلطات، وبحيث تتعدى السياسات المقترحة إطار الشعارات الرنانة والمواقف النظرية وإنما يجب ترجمتها، بما يعود بالنفع على كل الشعب المصرى بمختلف معتقداته وتوجهاته السياسية وبصرف النظر عن مستواه الاجتماعى.

 

أقوى مشهد يدل على إرساء مفهوم الديمقراطية هو التداول السلمى للسلطة، فهل نشهد فى المستقبل القريب مشهدا بمصر مثل الذى شهدناه باستقبال الرئيس الفرنسى الجديد أولوند بقصر الإليزيه، وخروج ساركوزى وزوجته بهدوء فى عملية بسيطة وسريعة فور إصدار الشعب قراره، أو نتمتع بتآلف مثل الذى نجده فى الهند أو إندونيسيا بين أجناس وأطياف متعددة ومتنوعة تتعايش فى إطار ديمقراطى يجمع ويصون الجميع

نبيل فهمي وزير خارجية مصر السابق، والعميد المؤسس لكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات