سألتنى صديقتى الأثيرة فى دهشة: «لماذا أراكِ تنشرين على الفيس بوك إعلان مستشفى سرطان الأطفال بانتظام، رغم أننا كنا ننتظر نتيجة التحقيقات التى تجرى بعد الاتهامات والشكوك التى لحقتها بعد ما كتب الاستاذ وحيد حامد ونشر فى وسائل الإعلام.. هل عندك معلومات جديدة عن الموضوع؟..
كانت دهشتى بالفعل عظيمة، فلم يحدث على وجه الإطلاق أن نشرت شيئا على وسائل التواصل الاجتماعى يشير إلى دعمى لأى إعلان أو مؤسسة أو مشروع إلا دعمى الكامل والمعروف لمعهد القلب القومى، أكبر مؤسسة طبية خدمية فى مصر، والمكان الذى عملت به طوال فترة خدمتى فى مصر منذ النشأة وحتى الآن.
من إذن استخدام اسمى من دون رجوع إلىّ أو إذن منى على وسائل التواصل الاجتماعى، وكيف يمكن أن يحدث هذا من دون علم. من وراء هذا التزييف واستغلال الحصول على أسماء وعناوين الأشخاص يظنون أن حساباتهم فى أيد أمينة؟!
الواقع أننى لم أر الإعلان بنفسى أو على صفحتى وهذا أدعى لادعاء سوء النية على من أقدم على هذا الفعل، فقد استغل اسمى فى الإعلان لجمع تبرعات لمؤسسة ٥٧٣٥٧ وتعمد أن يخفى هذا عنى!!
أعتقد أننى فى حل من أن أشرح موقفى من مؤسسة ٥٧٣٥٧ فهذا ليس مقصدى على وجه الإطلاق، لكن ما حدث يشير إلى أوجه الفساد فى عمل آلية الإعلان الجهنمية التى أضفت على أيام رمضان ولياليه، كأن لا تقل عن تلك التى نشرها تفشى عدوى الكورونا هذا العام وما تبعه من مظاهر للكرب وتبعات البلاء.
كنا نتوقع أن يبين القائمون على الإعلام فى بلادنا إلى ما أحدثه الوباء من تغييرات مؤثرة فى مجتمعنا هذا العام. شعار «خليك فى البيت» الذى ساد وتسيد كان من الضرورى أن يقابله رد فعل يضمن أن البقاء فى البيت قد يحمل للنفس بعضا من التعويض بالترفيه أو البرامج المسلية المفيدة أو الدينية التى تخاطب الوجدان بلطف ورفق يغسل عنها الإحساس بالتعب وفتور الهمة والخوف من القادم.
ما حدث كان العكس تماما: بعض المسلسلات آية فى ضحالة الفكر وسخف الموضوعات والتى تخرج عن عذر الأخوة وسذاجة قصص الحب المصطنعة واستعراض جمال ممثلات بلا روح أو حتى عقل. المسلسل الوحيد الذى هز القلوب كان دراما "الاختيار" الذى حظى بدعم كامل من الجيش فجاء واقعيا عظيما مؤثرا فى النفس، وأظن أنه سيبقى الحسنة الوحيدة التى قدمها الإعلام المصرى للوطن والمواطن فى هذا الزمن المر.
أما عن سيل الإعلانات الذى دمر به التليفزيون المصرى رغبة المشاهدين فى متابعة برامجهم فهو جريمة نفسية كاملة الأركان.
لست أدرى من هو صاحب تلك الصورة القاتمة التى انسحبت على كل ليالى رمضان بداية من الأذان متبوعا بألا صلوا فى بيوتكم ألا صلوا فى رحالكم مع تكرار الصور لجوامع عظيمة بالغة الفخامة فارغة تماما إلا من قارئ للقرآن وحيد فلا أحد ينصت أو يستمع.
كان من الممكن أن تؤنسنا صور مسجلة للصلوات والتراويح والتهجد وأذكار الصباح والمساء بدلا من تلك الصورة الموحشة التى انطبعت فى الأذهان فزادت مشاعر الخوف والترقب والوحشة.
أما الإعلانات عن المؤسسات الصحية المختلفة التى تتكرر سنويا ويعود أقل دخلها على المواطن وصحته والجزء الأكبر منها لشركات الإعلانات العملاقة التى تشترط أن يكون رقم الحساب المعلن عنه يصب مباشرة فى خزائنها لتأخذ مالها وتتصدق بالباقى على المشروعات الخيرية فلها فى الواقع أسوأ الأثر فى النفوس لو يعلمون.
تلك الإعلانات التى تجلد الإنسان وتدفعه للتبرع بالإكراه والترهيب، كذلك الإعلان المرعب الذى استعرض كل أنواع التعذيب بالنار بداية بحلة الماء المغلى التى انسكبت على وجه الأطفال والدفاية التى التحمت نارها بملامح طفل تشوه قبل أن يلقى ربه، وعذاب الأم التى لم تعرف ابنها الذى أكلت النار عينيه، وتأوهات الأطفال وهم فى طريقهم لمستشفى لا تعالج الحروق ولا تعرف عنها شيئا. هو بلا شك إعلان يخاصم المنطق والعقل والانسانية.
تلك الإعلانات المستفزة لترهيب الإنسان المصرى المبتلى بالوباء هذا العام رفعت يدها عن مشروعات الصحة لتتركها بالكامل لأصحاب الإحسان من نجوم المجتمع المدنى يجمعون الصدقات والتبرعات بالإعلانات التى تتكرر بإلحاح مستمر على جميع القنوات بلا أى استثناء.
لماذا لا تتولى الدولة وهى بلا شك قادرة على ذلك على استكمال تلك المشروعات الصحية الأسطورية وتحمينا من تلك الجريمة الإعلانية التى تتكرر كل عام بإلحاح لم يعفينا منها عام الرمادة المعروف بعام الكورونا.
حسبنا الله فى كل من أضاف هما لهمومنا، وزاد من قتامة تلك الأيام بدلا من التفريج عنا فيها.