داهمتنا خلال الأسابيع القليلة الماضية سلسلة متصلة من الكوابيس لا أرى لنا منها خلاصا ولا أعرف إلى أين سينتهى بنا وإياها الأمر.
القضية التى جذب طرف الخيط الأول فيها الأستاذ وحيد حامد فى مقاله الأول المنشور فى المصرى اليوم ٢١/٥/٢٠١٨ بعنوان «كلنا لصوص» والتى اتبعها عامدا مصرًّا بمثال «مستشفى آل أبوالنجا»، ثم أخيرا «الرقص مع الذئاب».
سبق الإصرار والترصد هنا ربما يرجح كفة الأستاذ وحيد حامد فأنا لا أنكر أننى أشعر تجاهه بتقدير كبير لحرفيته فى الكتابة وأسلوبه فى الدفاع عن معتقداته، لكن الأمر هنا بالفعل يأتى مختلفا ويوقعنى فى بئر من الحيرة لا قرار لها.
هل قضية الأستاذ وحيد حامد هنا بالفعل قضية مكتملة الأركان يمكن لقاض عادل أن يلمَّ بكل ملابساتها ليخرج إلينا بحكم نهائى لا يقبل الاستئناف، وإنما يفرض عدلا مستحقا لجميع الأطراف المشتركين فى تلك القضية.
ترددت فى أن يعلو صوت لى مطالبا بحظر النشر فى تلك القضية وتحويلها لمحكمة العدل الدولية: اعذرونى فالحق أننى لا أتصور أن هناك من تستطيع التوصل لوقائع وتفاصيل ما يحدث خلف تلك الجدران وإن كانت من زجاج شفاف لذلك المبنى البالغ الحداثة لمستشفى ٥٧٣٥٧.
كنا جميعا نراه معجزة حدثت فى مصر. لا أنكر أننى كرهت دائما تلك الإعلانات الناعمة الفنية التى كانت تتسلل إلى رئتى كالغاز السام الذى لا تشعر إلا بأثره حينما تبدأ فى الاختناق. وأننى كنت أقبل إحصائيات الشفاء والأكاذيب الصغيرة عن المستقبل المشرق الذى ينتظر أطفال ٥٧ خاصة والحياة البهيجة التى يعيشونها خلف أسوار السرطان حتى أن مرة سمعت من صديقة أن حفيدتها طلبت منها أن تلتحق بمدرسة ٥٧؟
ما أحببت أبدا استعراض بؤس المرضى من الأطفال حتى لو ألبسوهم ثيابا من البهجة المصطنعة ونثروا بينهم فنانات وفنانين يعلنون عن أنفسهم حتى إذا كانت إعلانات مجانية فالأولى بهم أن يتبرعوا بالفعل من أموالهم بدلا من الاستعراض لوسامتهم.
رغم ذلك كنت أطالع بإعجاب وبتصديق أنها بكل المقاييس معجزة فكيف يمكن الآن أن أصدق أن ذلك كان وهما كبيرا وأنها كانت مشروعا اقتصاديا لمصلحة «رجل السرطان»، كما أسماه وحيد حامد؟
هل حقا عشنا خدعة قاتلة كتلك التى عاشها جيم كارى النجم الكندى فى الفيلم الشهير «عرض ترومان» الذى استيقظ يوما ليجد نفسه قد عاش عمره فى مجتمع زائف تماما كل من فيه يلعب دورا تمثيليا يوميا تحت إدارة مخرج محنك يمسك بيده كل الخيوط فى براعة منقطعة النظير.
الأمر جد خطير ولا أدرى كيف يمكن أن يظل هذا الأمر بعيدا عن تدخل الدولة بداية من رئيس الجمهورية الذى لا يخفى إيمانه بدور المجتمع المدنى فى دعم الدولة. أين وزيرة التضامن الاجتماعى التى احتفظت بمقعدها فى ثلاث وزارات متتالية؟
الواقع أننى مازلت فى مرحلة عدم التوازن. الأمر يبدو ككل الأمور التى تشغلنا ولا نخرج منها أبدا بحل حقيقى. إننا نشعل النار ونلتف حولها حتى تعلو نقاشاتنا على ألسنتها ثم يتركها لتخمد ونتحول نحن إلى رماد.
من يخرجنا من تلك الحيرة؟
من يعيد إلينا ثقتنا فى نوايا المجتمع المدنى بعد تلك الضربة الموجعة التى جاءت فى توقيت مميت؟
إننى بالفعل أتمنى أن يترك الأمر تماما للقضاء العادل العاجل وأدعو كل من له أى قدر من المسئولين والسلطة فى التدخل لفك هذا الاشتباك الذى معه سيبدو الخاسر الأول الإنسان المصرى صاحب النوايا الطيبة الذى ذهب مختارا ليدعم ابن وطنه وشقيقه البائس وهو فى براثن المرض.
يجب أن تسطع الحقيقة بلا مواربة.
تعددت الجراح فى جسدك يا وطن.. لكنى لا أخشى عليك إلا جرح فيك سيلتئم فى غياب جراح من أبنائك يعكف على تطهيره أولا.