سمراء؛
غبت عنك يا صديقتى أسابيع معدودة. كنت فى السفر أسأل عنك زوجى فى كل اتصال جرى بيننا. تذكرين أنه حضر معى عرسك المشهور. تذكرين أيضا أنه على امتداد فترة خطوبتك القصيرة لم يخف قلقه على مستقبلك. كان صريحا معك ولم تكونا على وفاق إلا نادرا. شعرت خلال رحلتى أنه يخفى عنى أمرا يتعلق بك أو أنه، كما برر غموض إجاباته، كان منشغلا بهموم كثيرة فرضتها أحوال مكتبه فى ظل الكورونا. وصلت إلى بيتى متحفزة فسألت عنك قبل أن أطلب إيضاحات عن الهموم الكثيرة التى شغلته عن الاتصال بك، رحت أستفسر عن الظروف التى أحاطت بحال عدم استقرارك فى بيت الزوجية بعد انقضاء شهر العسل أو خلاله. على غير عادته رفض زوجى أن يلبى هذا الطلب ومبررا هذا الرفض بقناعته بأننى يجب أن أسمع منك مباشرة.
هيفاء؛
اشتقت لك. نعم، شغلتنى أمورى عن الكتابة أو الاتصال بك بشكل أو بآخر. سوف تسألين ومعك كل الحق كيف أتخذ قرارا كهذا، أقصد قرار الانفصال والعودة إلى بيت أهلى، دون العودة لك واستشارتك فيما أردت أن أفعل. كنت دائما إلى جانبى فى معظم القرارات التى اتخذتها فى حياتى، أو على الأقل منذ وَطِئَتْ قدماى أرض المراهقة. كنت دائما موجودة ويدك ممدودة لتسحبنى فى الوقت المناسب إلى خارج نهر التوقعات الممتعة والأحلام الملونة. نهرى، كما تعلمين يختلف عن كل الأنهار. الأمواج فى نهرى صاخبة طول الوقت، تنبهنى إذا استرخى جسدى وتوقظنى إن نمت. فيضان نهرى لا مواسم له، المياه فيه تتدافع فى الليل كما فى النهار وفى الخريف كما فى الربيع. أسمعك ترددين بكل الحب تحذيرك الأشهر أن يوما سيأتى فى غيابك وغياب أهلى ليكون شاهدا على عواقب ثورة جديدة لبركان رغباتى ومشاعرى الفائرة جل الوقت، لن أنسى كلمات تنهين بها تحذيرك. كلمات تهمسين بها فلا تسمعها إلا الأشياء من حولى وفى جسدى. «أيتها الأشياء لا تفعلى مثل صاحبتك، لا تركعى أمام ثورات هذه البراكين، كبرت الثورات أم صغرت».
•••
سمراء؛
كنا، زوجى وأنا، نقف على طرف حلبة الرقص ليلة عرسك نلتقط الأنفاس ونجفف العرق ونراقب بسعادة بالغة رقصكما أنت وعريسك عندما امتدت فى وسط زحام الأذرع والسيقان يدك تجذبنى إلى داخل الحلقة. هناك تحت صخب الموسيقى وإيقاعاتها الإفريقية المنشأ وانغماس الراقصين والراقصات فى أداء وراء بعضه قصد غير معلوم سمعتك تصرخين فى أذنى، «لم أكن يوما سعيدة كما أنا الليلة، قلت لعريسى قبل لحظات لا أريدها ليلة العمر بل كل ليلة فى العمر». لم أسألك عن جوابه. تركتك لكوكبة انتزعتك ورحت أبحث عن عريسك، وفى الحقيقة أبحث عن إجابته أو بمعنى أدق أبحث عن رد فعله. وجدته عند أحد أطراف حلقة الرقص الواسعة واقفا مع صديق له بدا لى أنه من عمره أو أكبر قليلا، لم أسمع الحديث الدائر بينهما ولكنى خمنت أن يكون موضوعه بعيدا عن أحداث هذه الليلة. خمنت فصدقت. كانا يتحدثان عن أمور هى من صلب الشئون والمسائل التى يتناقش فيها الناس فى ليال عادية وليس فى ليلة عرس، والمتحدث عريس.
على الطريق إلى بيتنا بعد أن أطفئ بعض الأنوار وهدأت الموسيقى واختفى العروسان نقلت إلى زوجى كلماتك لى على حلقة الرقص ورد فعل العريس. تنهد بصوت مسموع وقال أعدى نفسك لأيام صعبة مع صديقتك. كلنا قصرنا معها. لم نشرح لها أن الزواج نقلة كبيرة فى الحياة. كان يجب أن تعرف ما صرنا نعرفه جيدا وتستعد له. الزواج لعبة من ألعاب الكبار لا يلعبها الصغار.
•••
هيفاء؛
سافرت يا صديقتى فى الصباح التالى للعرس قبل أن تتصلى بى وتسألينى عن الصداع الذى لازمنى طوال اليوم. قضيت معظم اليوم فى مزاج سىء. سافرنا فى المساء لنلتحق بفندق نقضى فيه أسبوع العسل. تعرفين أننى قضيت وقتا طويلا قبل العرس أحاول إقناع خطيبى بأن نلتزم الشهر بطوله شهرا للعسل. لا شىء يستحق أن نضحى بالشهر المقدس الذى عشت أحلم به على امتداد سنوات المراهقة من أجل تنفيذ مشاريع عمل التزم خطيبى بتنفيذها قبل أن نلتزم بمواعيد عرس وشهر عسل. غضبت جدا وخاصمته. حاول إرضائى بأساليب شتى. تذكرين كيف أثار اهتمامى عند التعرف عليه بخفة ظله ونعومة روحه وطيب معشره وحلاوة ألفاظه ورقى سلوكياته. كلها مجتمعة أو منفردة لم تطفئ نار غضبى. ذهبت إلى أبعد. طالبته بالاعتذار عن الوفاء بالتزاماته فى العمل. حاول إقناعى بأن الظروف لا تناسب. أبلغه الفندق أن صالة الرقص مغلقة بأوامر من السلطات، وكذلك الشواطئ المخصصة للاستحمام، حتى الرحلات السياحية توقفت لندرة السياح الأجانب وعزوف المواطنين عنها. لم أقتنع وأعلنت عزمى أن لا أغادر قبل نهاية شهر كامل، شهر العسل. كيف أعود إلى أهلى وصديقاتى وأصحابى وما نزال فى الأيام الأولى من الشهر.
سمراء؛
سألتك قبل الزواج إن كنت تحبينه؟ هل أذكرك بجوابك؟ «يسلينى بروحه المرحة. صديقاتى يحسدوننى عليه فقوامه مثير وأخاذ، ويعترفن أنهن لم يراقصن من هو أكفأ منه فى الرقص. لا تنسى أنه حظى بإعجاب أبى وأمى عندما التقياه أول مرة. قالا وقتها أن اختيارى إياه كان القرار الأصوب فى حياتى. هو أيضا كان يساعدنى فى دروسى ولا يتأخر عن مرافقتى فى رحلات ذهابى أو إيابى إن طلبت منه ذلك...».
•••
تذكرين أننى فى نهاية حديثك المطول عن خصاله ومزاياه العديدة علقت عليك قائلة.. ولكن هل تحبينه؟