السائرون نيامًا بين السرد الروائى والصورة التليفزيونية - سعيد الكفراوى - بوابة الشروق
الثلاثاء 24 ديسمبر 2024 4:11 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السائرون نيامًا بين السرد الروائى والصورة التليفزيونية

نشر فى : الجمعة 22 أكتوبر 2010 - 9:59 ص | آخر تحديث : الجمعة 22 أكتوبر 2010 - 9:59 ص

 أتساءل: هل يوجد فى أدبنا العربى رواية تعتمد الحدث التاريخى لكتابة نص أدبى؟

أعتقد أن الإجابة سوف تكون بنعم، عندما نتأمل المنجز الروائى الذى انشغل بالحدث التاريخى.

هناك مرحلتان من أدبنا العربى الحديث قدمت فيها الرواية التاريخية:

1ــ مرحلة التأسيس عند جورجى زيدان برواياته ذات الطابع الإسلامى والتى تعتمد التاريخ إطارا لها. ثم سعيد العريان «على باب زويلة» وعلى أحمد باكثير «واإسلاماه» ثم نجيب محفوظ «كفاح طيبة».

وكلها اعتمدت على كتابة الحدث التاريخى باعتباره مرجعية ومادة للسرد وكتابة هذا الحدث كما وقع فى التاريخ الواقعى.

2ــ ثم جاءت مرحلة أخرى بالكتابة الفنية والإبداعية الرائدة لرواية السائرون نياما للكاتب الراحل الكبير سعد مكاوى التى كانت بداية التأسيس لإبداع رواية تاريخية بشروط التخييل والسرد الروائى الفنى، وراهنت بما قدمته على إنجاز رواية تاريخية جديدة نبهت الكتابة إلى الغنى فى المادة التاريخية لكتابة نص أدبى يستخلص سؤال الإبداع من سياق التاريخ.

أوجدت السائرون نياما سياقا جديدا خرجت منه «الزينى بركات» لجمال الغيطانى. وكتبت تحت ظلاله أعمالا أخرى.، وساهم سالم حميش الروائى المغربى برواياته مجنون الحكم والعلاقة ومحن الفتى زين شامة. ثم اسهامات أمين معلوف بكتاباته المهمة التى بادها التاريخ بكتابة السائرون نياما، أخذت الرواية التاريخية شكلا مغايرا، ومثلت مرحلة شديدة الخصوصية، ونموذجا فريدا على كتابة رواية تعتمد التاريخ وتملك القدرة والوعى من رسم شخصيات حقيقية، وتمتلك رؤية لتحويل التاريخ إلى فن، من خلاله تتحقق قيمة الكتابة التى تسعى لتأكيد قيم العدل والحرية.

لقد استطاعت «السائرون نياما» أن تراهن بانجازها هذا النصر الفريد، من خلال الرد الفنى المختلف لكتابة رواية تاريخية ــ أن تجسد الصراع بين سلطة الحاكم ومقاومة المقهورين وإبراز الأمكنة التى حدثت بها تلك المشاهد.

بعد ذلك يغامر السيناريست مصطفى إبراهيم بالاقتراب من تلك الرواية المهمة ويصنع مسلسلا تليفزيونيا من حلقات كثيرة فماذا قدم لنا وشاهدناه طوال الشهر الكريم؟.

شعرت طوال المشاهد بأن السيناريست استوحى أحد الأفلام المصرية التاريخية ولم يقترب كثيرا من نص سعد مكاوى، وظل المسلسل يدور فى منطق الشجيع والعصابة.

غرقنا فى الحوار العامى وشاهدنا الشخصيات تنتزع من اللحظة الآنية بعيدا عن تاريخيتها ومشهد حياتها فكنا نرى عدوا من فتوات الحارات يرتدون ملابس تاريخية.

ذلك الثبات المرعب للأحداث على مستويات متعددة.. تكرار الأماكن.. والصراع الميلودرامى وفقدان التواصل الفنى بين شخصيات لها لهجتها السورية وأخرى لها لهجتها المصرية، وغياب العمق وحيرة الشخصيات فى المعانى الكثيرة التى يطمح المخرج للإمساك بها.

لم يمثل ماضى الأحداث والوقائع والأماكن حضورا تاريخيا عبر الصورة المعروضة، لا القصور هى القصور التى نعرفها، ولا الحارات والزوايا والتكايا وتجمعات البشر هى ما نعرفه عن هذا العصر.. ورأينا طوال العرض من خلال الفئتين المماليك وأهل البلد المطالبين بالعدل ذلك الصراخ الذى لا ينتهى، والحوار الذى يخطب فى مشاهد غاب فيها التجسيد. لدرجة أننى كنت أتساءل ما هذا الذى يحدث. هل ثمة معنى من الرموز يريد اسقاطها كاتب السيناريو.

هل يريد أن يؤكد أن تيار الظلم ما زال جاريا بين من يملكون وبين فقراء هذا الوطن؟. أنا شخصيا وبسبب من زحمة الأحداث لم استخلص المعنى والجواب.

وبسبب من المباشرة الشديدة فى العرض بعُد المعنى عن التأثير.

حتى مخرجنا الكبير محمد فاضل صاحب التاريخ المشرف فى إبداع نص يخصه فيما قدمه مع الأصل أسامة أنور عكاشة وغيرها من النصوص الباقية، والذى يقبض بما قدمه على خصوصية المخرج الملتزم المثقف الذى أسهم فى خلق دراما عربية تنحاز لصف الجماعات المغمورة فى وطننا العربى.

بدا المخرج الكبير محمد فاضل وبسبب من سيناريو لم يستطع أن يتعامل بدراما حقيقية مع نص ملحمى مثل السائرون نياما مباشر أحاول تأويل التاريخ من خلال تخييل النص الروائى، وبالرغم من أن المخرج من المؤمنين بأنه لا يكتب الواقع التاريخى بل يكتب الواقع الفنى فإننا فى النهاية لم نعش تجربة رواية عظيمة على الشاشة فكانت النهاية حسبة غير متوقعة لنا وللمخرج ولكاتب السيناريو.

سعيد الكفراوى  كاتب مصرى
التعليقات