تظل مشكلة الأمراض العقلية والنفسية فى بلادنا إحدى المشكلات التى تحتل مكانها على رف القضايا المعلقة. نستحضرها كلما طارت منها شرارة لتعلق بالهشيم.. مختل عقليا يذبح أسرة بكاملها فى مصر الجديدة.. أم تقتل طفلتها بعد أن عجزت عن إسكات صراخها.. مهندس يذبح زوجته وولده وابنته بعد خسارته فى البورصة. أمثلة مروعة كثيرة تحفل بها صفحات الحوادث وتحتفى بها يوميا بل وتبدى تنافسا واضحا فى سرد التفاصيل والانفراد بالصور.
تسهب الصحافة حينما يقترن الأمر بجريمة تروع المجتمع لأيام وربما أسابيع تالية نتحدث وقتها كثيرا عن ماذا حدث لمصر والمصريين واستعير العنوان من الكاتب الأشهر الدكتور جلال أمين. فى الوقت ذاته لا نعير أولئك الذين نراهم يهيمون على وجوههم فى الطرقات بلا هدف أو يفترشون الأرض بين أكوام من النفايات والقمامة اهتماما يذكر حتى لو نقدناهم بعض العملات الصغيرة شفقة عليهم أو رحمة بهم.
الواقع أن ملف الأمراض العقلية والنفسية فى مصر لا يقتصر على تلك الوقائع المعلنة، إن أخطر ما فيه هو جبل الجليد الذى تبدو فقط قمته على سطح الماء. لا أنكر أن هناك جهدا يبذل لتقنين أحوال المرض العقلى والنفسى لكنه للمراقب جهد يتعثر كثيرا ولا يكتمل ولا يبدو فاعلا بحجم المشكلة الحقيقية التى نواجهها الآن ونرى آثارها فى ملامح حياتنا اليومية، ما الذى حرك أوجاعى هذا الصباح؟ صورة ضخمة للفنان عادل إمام على الطريق يواجه العالم فيها بسحنة تدعو للرثاء. شعر أشعث، وملامح اختلطت فيها الكآبة بالبلاهة. إعلان عن فيلمه الجديد «زهايمر».
الصورة المقابلة الحديثة كانت للفنانة رجاء الجداوى فى المسلسل الرمضانى وهى تتصنع العته وتتصابى فى شيخوختها وتمضغ الكلمات فى سخف لا يجاريه إلا إعلانها ببراءة أنها قد بللت ثيابها الداخلية. هذه هى الصورة التى تقدمها السينما المصرية لأحد أمراض العصر الخطيرة. الألزهايمر بدلا من أن تقدمها بوعى وحس إنسانى يشير إلى حقيقتها، وينبه لها.
لم نشاهد الفيلم بعد، لكن البداية بلا شك تشير إلى النهاية، والإعلان ينبئ عن أننا بلاد إذا فشلت فى علاج مرضاها سخرت منهم.