من هو صاحب القرار؟ - توماس فريدمان - بوابة الشروق
الأربعاء 5 فبراير 2025 3:59 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

من هو صاحب القرار؟

نشر فى : الثلاثاء 22 نوفمبر 2011 - 9:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 22 نوفمبر 2011 - 9:00 ص

بينما كان دليلنا الهندى يقود السيارة إلى السوق التجارية المغطاة فى بلدة يوذبور غرب الهند الأسبوع الماضى، توقف ليشير لنا إلى معلم حديث. وسأل، مشيرا إلى إشارة مرور ضوئية (خضراء صفراء حمراء) من الإشارات المعتادة فى التقاطعات المزدحمة «هل ترون تلك الإشارة الضوئية؟ إنها الوحيدة فى يوذبور. حيث يعيش 1.2 مليون شخص». وكلما تنقلت فى أنحاء الهند، كلما لاحظت مدى تراخى قبضة الحكومة على هذا البلد. فعلى نحو ما، يبدو الأمر مجرد نوع من انواع العمل. فحركة المرور تسير، ولكن للمرة الأولى خلال سنوات زيارتى للهند، بدأت أتساءل عما إذا كان نهج الهند جيدا على نحو كافٍ فى الحكم، سيكون بالفعل جيدا بما يكفى لفترة طويلة. لقد أدت فضائح فساد ضخمة إلى فقدان الحكومة المليارات من الدولارات من الموارد اللازمة، وعلى الرغم من إعجابى ببراعة الابتكار لدى التكنولوجيين الشباب فى الهند، إلا أنهم لن يتمكنوا من استغلال إمكاناتهم الكاملة، من دون حكومة تمدهم بالطرق، والموانئ، والإنترنت، والكهرباء، والمطارات والأنظمة الذكية التى يحتاجونها من أجل ممارسة عملهم. وهو أمر ليس نظريا فحسب، فالهواء ليس صحيا فى كبريات مدن الهند. ونادرا ما تجد مصدر مياه هنا نهرا، أو بحيرة، أو بركة غير ملوث. كما يبدو أن اجتياح السكان للبيئة غير المحمية قد تسبب فى أضرار شديدة، فكيف تتفادى الهند التحول إلى منطقة كوارث بيئية فى غضون عشرة أعوام من دون حكم أفضل؟.

 

وقد بدأ قانون الأعداد الكبيرة بالفعل 1.2 مليار شخص فى التهام كل خطوة صغيرة تخطوها الهند إلى الأمام. وليست الهند بحاجة إلى أن تصبح الصين، ولن تفعل هذا. لكنها لا تزال بحاجة إلى إثبات أن ديمقراطيتها تستطيع اتخاذ القرارات الكبيرة وتنفذها بنفس التركيز والقوة والمثابرة، على النحو الذى يحققه الاستبداد فى الصين.

 

ولم يكن آزيم برمجى، رئيس مجلس إدارة شركة فيبرو من كبريات شركات التكنولوجيا الهندية يبالغ عندما قال: «هناك غياب كامل لصنع القرار بين قادة الحكومة. وإذا لم يتخذ إجراء فورى، سوف تواجه البلاد انتكاسة. ينبغى أن تقدروا خطوة ذلك».

 

ألا يبدو هذا الكلام مألوفا؟ كان من الممكن أن يكون حديثا برمجيا عن الاتحاد الأوروبى أو الولايات المتحدة. فلم يعد هناك قادة يتخذون القرارات الصعبة، إلا عند الاضطرار. ويبدو الجميع حتى قادة الصين أكثر خوفا من شعوبهم من أى وقت مضى. ويتساءل المرء عما إذا كانت الإنترنت، والمدونات، وتويتر، والرسائل النصية والمدونات الصغيرة، جعلت من الديمقراطية التشاركية والحكم المطلق، كما فى حالة الصين، متقاربان. ويهتم القادة بالرأى العام، على نحو واضح، حتى إنهم يجدون صعوبة فى اتخاذ أى قرار كبير يتطلب التضحية. فهم يضعون فى اعتبارهم وجود الكثير من الآراء فضلا عن آرائهم الخاصة.

 

●●●

 

وها نحن فى أمريكا مرة أخرى، على أعتاب قرار كبير يخص الموازنة تتخذه «لجنة عليا» أخرى من الحزبين، فهل يعلم أحد النتيجة التى يتوقعها الرئيس أوباما؟ وما هى الضرائب بالتحديد التى يريد رفعها، وما هو الإنفاق الذى يرغب فى تخفيضه؟ حيث تبدو سياسة الرئيس فى هذه القضية تهدف لإرضاء الرأى العام.

 

ويعتبر هذا الوباء المتفشى من عدم القدرة على اتخاذ القرار، أمرا مزعجا، فى الوقت الذى تحتاج فيه الديمقراطيات، من الهند إلى أمريكا أكثر من أى وقت مضى إلى اتخاذ قرارات كبيرة، إذا أرادت أن تقدم مستويات حياة أفضل لشعوبها. وهذا يعنى أن نتخلى عن القيادة تدريجيا، للتكنوقراط، واللجان العليا أو نترك فقط للسوق والطبيعة الأم أن تفرض علينا قرارات، لا نستطيع أن نتخذها بأنفسنا. ونادرا ما يؤدى هذا إلى نتائج أفضل. ولدى الاتحاد الأوروبى، بشكل خاص، صورة دقيقة من القادة الذين لن يقودوا، والسبب فى أن كلا من اليونان وإيطاليا، لجأت إلى تكنوقراط غير منتخبين من أجل إدارة حكومتها. ويلاحظ تونى باربر فى مقاله فى فاينانشال تايمز يوم السبت أن «صانعى السياسة فى منطقة اليورو، قرروا فعليا تعليق السياسة الطبيعية فى البلدين، لأنهم اعتبروها تهديدا قاتلا للوحدة النقدية الأوروبية. ورأوا أن مشروع الوحدة الأوروبية الذى يجرى تحقيقه منذ أكثر من خمسين عاما، ذو أهمية بالغة، صار يتعين معها إحلال الخبراء غير المنتخبين القادرين على تقديم الحلول محل الساسة الذين يمكن مساءلتهم أمام الشعوب. وإذا لم يكن هناك غضب شعبى يذكر فى أثينا وروما، فيرجع ذلك إلى أن الملايين من اليونانيين والإيطاليين لا يشعرون باحترام كبير لطبقة الساسة لديهم».

 

 لكن الناس فى عالم شديد الترابط فى عصر فيس بوك وتويتر صاروا أكثر تمكنا، وسوف يخرج الكثير من الابتكارات والأفكار من أسفل إلى أعلى، وليس من أعلى إلى أسفل فحسب. وهو أمر جيد من الناحية النظرية. ولكن فى نهاية الأمر سواء كنت رئيسا للجمهورية، أو عضوا فى مجلس النواب، أو رئيس بلدية أو لجنة تسيير الأمور فى حركة احتلوا وول ستريت سيكون هناك شخص عليه صهر تلك الأفكار فى رؤية لكيفية التحرك إلى الأمام، وصبها فى سياسات يمكن أن تحدث فارقا فى حياة الناس، ثم بناء أغلبية للتوافق معها. ويسمى هؤلاء بالقادة. ويشكل القادة استطلاعات الرأى، ولا يكتفون بقراءتها. والآن عبر مختلف النظم السياسية، هناك نقص خطير فى المعروض من القادة.

توماس فريدمان  صحفي أمريكي مهتم بشئون الشرق الأوسط
التعليقات