التغيير بالفن - نيفين مسعد - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 10:37 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التغيير بالفن

نشر فى : الخميس 22 ديسمبر 2016 - 9:40 م | آخر تحديث : الخميس 22 ديسمبر 2016 - 9:40 م
العلاقة بين المجتمع والفن علاقة مركبة، فمن الصحيح أن الفن مرآة تنعكس عليها أوضاع المجتمع، لكن من الصحيح أيضا أن الفن من أدوات تغيير المجتمع. ويوم الاثنين الماضى عقد المجلس القومى لحقوق الإنسان ندوة مهمة عن «دور الإعلام والدراما فى نشر ثقافة حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة» حضرها مسئولون وإعلاميون وجمعيات أهلية وعدد كبير من أصحاب القضية جرى تكريم رموزهم.
***

فى استعراض كيف تناولت الدراما قضية ذوى الإعاقة لوحظ أن السينما المصرية شهدت عددا من الموجات المتتالية والمتداخلة أيضا، ففى مرحلة أولى كان يظهر الشخص المعاق لإضحاك الجمهور ولو أنى ذكرت اسم «صفاء الدين حسين زكى» لما عرفه كثيرون، أما إن ظهرت صورة هذا الممثل فوق اسمه فسنكتشف أننا نعرفه معرفة وثيقة، فصفاء الذى لم يتحل بجمال الخلقة وله صوت أجش كان القاسم المشترك فى أفلام الثلاثينيات والأربعينيات، يظهر لدقائق محدودة يضحكنا ويمضى.. فمن منا لا يذكر دوره حين كان طالبا فى فيلم «سلامة فى خير» وهو ينشد أمام شرفنطح ويصيح «محبببببا»؟، قيل إن صفاء كان مقربا من عبدالوهاب الذى كان «يتبارك» به، وصفة البركة هذه من الصفات التى خلعتها السينما طويلا على دور الشخص المعاق ذهنيا. ولم تستخدم السينما فى تلك المرحلة شكل الوجه وحده للإضحاك، لكنها استخدمت أيضا شكل الجسد، وهكذا شاع ظهور الأقزام الذين يأتون حركات مفاجئة تثير السخرية.

وعلى مدى الخمسينيات والستينيات ركزت السينما على استدرار عطف المشاهد على شخصية المعاق عن طريق إظهاره بمظهر الإنسان الذى يتعرض للتجاهل والخيانة وربما للاغتصاب، وهذا تقريبا كان حال كل نجوم هذه المرحلة من زهرة العلا المعاقة حركيا فى فيلم «نداء الحب»، إلى زبيدة ثروت وأيضا صالح سليم المعاقين بصريا فى فيلمى «شمس لا تغيب» و«الشموع السوداء»، إلى سميرة أحمد البكماء فى فيلم «الخرساء». ولم تخرج سينما هذه المرحلة عن ذلك إلا فى استثناءات قليلة حيث قدم عماد حمدى وكمال الشناوى فى فيلمى «أقوى من الحب» و«لمين هواك» نموذجين لرسامين معاقين حركيا تحديا إعاقتيهما بتشجيع من امرأتين محبتين.

اعتبارا من منتصف السبعينيات تكرر تقديم نموذج تحدى الإعاقة، فعرض فيلم «قاهر الظلام» لمحمود ياسين عن قصة الأيام لعميد الأدب العربى، بينما قدم محمود عبدالعزيز نموذجا لضابط تحدى إعاقته فى الحرب بفيلم «حتى آخر العمر». كذلك بدأت تطرح زوايا جديدة فى تناول موضوع الإعاقة، وكانت البداية من المسرح مع مسرحية «انتهى الدرس يا غبى» لمحمد صبحى بإثارة قضية إجراء التجارب العلمية على المعاقين ذهنيا، ثم مسرحيته «وجهة نظر» للتأكيد على أن الإعاقة الحقيقية هى ألا يكون للإنسان موقف من الحياة. وجسد نور الشريف فى فيلم «الصرخة» قصة الشخص فاقد النطق والسمع الذى لا يتمكن من الدفاع عن نفسه أمام القضاء، كما قدم محمود عبدالعزيز فى فيلم «الكيت كات» شخصية المعاق بصريا الذى يعيش حياة صاخبة. لكن ظلت بعض المعالجات الأخرى تقدم تنويعات على أفكار الخمسينيات والستينيات بإثارة قضية الاستغلال التقليدى للمعاقين ذهنيا (فيلم توت توت لنبيلة عبيد وخالى من الكوليسترول لإلهام شاهين) ومسلسل سارة لحنان ترك.

أما الطفرة الكبيرة فى التناول الدرامى لموضوع الإعاقة فارتبطت بالعقدين الماضيين حيث قام ذوو الإعاقة بالتمثيل للتعبير عن قضاياهم ــ وليس للإضحاك كما فى السابق. وشكلت المخرجة أميرة شوقى ــ وهى أم لطفل مصاب بالتوحد ــ عبر جمعيتها «الشكمجية» فريقا من ذوى الإعاقات المختلفة ومن أعمار تبدأ من عامين ونصف العام حتى منتصف الثلاثينيات كما أشركت الأمهات فى عروضها لتدريبهن على طريقة المعاملة السوية للأبناء فضلا عن توفير الشعور بالأمان، ونال فريق الشكمجية الجائزة الأولى فى أكثر من مسابقة تنافس فيها مع أصحاء. كذلك أثارت لأول مرة المخرجة إيناس حلمى قضية علاقة الحب بين اثنين من المعاقين فى فيلم «شجن شادى» وقد أدى الدورين شابان معاقان فعلا وحصد فيلمها جائزة فضية فى إحدى المسابقات، كما شارك البطل الشاب نفسه فى فيلمها «نداء الوردة» عن قضايا الطفولة، وغير ذلك كثير.

***

كيف ينظر ذوو الإعاقة لصورتهم فى الإعلام والدراما؟ أجاب عن السؤال حضور الندوة فانتقدوا تجاهل النماذج الفذة منهم حتى أنه بخلاف الضوء المسلط على الأبطال البارالمبيين لا يكاد يذكر منهم أحد، فمن منا يعرف طالب الثانوية العامة المعاق حركيا الذى ذكرته المخرجة الكبيرة أنعام محمد على والذى اخترع كرسيا يتحرك بالإشارات الذهنية؟ الأرجح قلة تعرفه فلم يقدمه سوى أحد برامج القناة الأولى، ومن يعلم أن مترجمة أعمال المجلس القومى لشئون الإعاقة إلى أربع لغات فتاة لديها كف بصرى وأن الشاب المسئول عن نظام الاتصالات شاب يعمل بقدميه؟ كم كانت رائعة مداخلة الأمين العام لهذا المجلس الدكتور أشرف مرعى وهو سباح أقعدته إصابة مفاجئة عن الحركة، لفت الرجل نظرنا إلى صور ذهنية مسيئة تعتبر الإعاقة سبة كرسوم الكاريكاتير التى تظهر الحكومة جالسة على مقعد متحرك، لذلك أعدت جمعية «حلم» «مطوية بعنوان» إزاى أتعامل مع الأشخاص ذوى الإعاقة» أظن أن تعميمها واجب». طالب الحضور بأن يكون لهم حضور فى نقابة المهن التمثيلية (وقد كانت للنقيب كلمة فى الندوة ولم يحضر)، كما دعوا لاتباع سياسة الإعلام الدامج بإظهار المعاق طالبا وموظفا ورب أسرة فحياته لا تتمحور حول إعاقته.

***

يحتاج تغيير نظرة الإعلام لذوى الإعاقة إلى جهد جبار خاصة فى وقت تعانى فيه ثقافتنا من التشوه ويزيد صراخنا وعراكنا وعنفنا وتزيد قسوتنا، لكن التغيير لابد منه، فلقد ذكر دكتور صلاح سلام عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان رقما مذهلا عن عدد المعاقين فى مصر: ١٧ مليون نسمة أى ما يقترب من عشرين فى المائة من السكان ويجعل القضية عامة بامتياز. نعم ثمة مؤشرات إيجابية فى هذا الاتجاه كالإعداد لحملة إعلانية تلفزيونية للتوعية بقدرات الأشخاص ذوى الإعاقة، والنظر فى مشروع قانون يجرم الإساءة إليهم، والعمل على تنشيط سياحة المعاقين لكن الطريق مازال طويلا بل طويلا جدا.
نيفين مسعد أستاذة بكليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة جامعة القاهرة. عضو حاليّ فى المجلس القوميّ لحقوق الإنسان. شغلت سابقاً منصب وكيلة معهد البحوث والدراسات العربيّة ثمّ مديرته. وهي أيضاً عضو سابق فى المجلس القوميّ للمرأة. حائزة على درجتي الماجستير والدكتوراه من كليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة – جامعة القاهرة، ومتخصّصة فى فرع السياسة المقارنة وبشكلٍ أخصّ في النظم السياسيّة العربيّة. عضو اللجنة التنفيذية ومجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت. عضو لجنة الاقتصاد والعلوم السياسية بالمجلس الأعلى للثقافة. عضو الهيئة الاستشارية بمجلات المستقبل العربي والسياسة الدولية والديمقراطية
التعليقات