قد نتفق أو نختلف حول سياسته خاصة مع جماعات الإسلام السياسى الذى فى رأيى أساء تقدير عنفهم وإرهابهم وأهدافهم الشريرة له وللوطن وفى النهاية اغتالوه. هذا الرجل هو المرحوم الرئيس أنور السادات بطل الحرب والسلام، الذى هزم إسرائيل عسكريا وأمريكا سياسيا وذلك بدهائه ورؤيته الثاقبة. وها هو اليوم يحتفل العالم بمرور مائة عام على مولده 1918 ــ 2018 ومرور أربعين عاما على معاهدة السلام «معاهدة كامب ديفيد 1978 ــ 2018.
كان الرئيس المصرى الراحل، محمد أنور السادات يدرك جيدا العواقب التى ستؤدى إليها أفعاله، لكنه دفع دائما نحو السلام، بتلك العبارات قدم رئيس مجلس النواب الأمريكى، مشروع قانون يمنح اسم السادات ميدالية الكونجرس الذهبية، اعترافا بإنجازاته وإسهاماته من أجل تحقيق السلام فى الشرق الأوسط، وفقا لنص القانون الذى يستعرض حياة السادات منذ ولادته وحتى توليه مقاليد الحكم فى مصر كثالث رئيس للبلاد، ويبرز جسارته فى تغليب القيم الإنسانية وتجنيبه مصر وإسرائيل ويلات الحرب.
وذكر القانون الذى صدق عليه الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، لتكريم السادات، بمناسبة ذكرى مرور 100 عام على ميلاده، والتى تحل فى 25 ديسمبر الحالى، أن السادات يعد فى الولايات المتحدة وفى جميع أنحاء العالم زعيما محترما وبطلا للسلام، ورؤيته قدمت خارطة طريق لحل سلمى لصراع دام 40 عاما بعد اندلاعه، إذ تواصل ببسالة مع إسرائيل وكرس نفسه للسلام، وعزز الأمن القومى المصرى واستقرار الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن معاهدة السلام مع إسرائيل لا تزال تشكل ركيزة مهمة للسلام فى المنطقة، اليوم، وجعلت مصر أول دولة عربية تعترف رسميا بإسرائيل.
هناك من هاجم سياسة السادات ورأوا فى سياسة السلام هذه خيانة للقضية الفلسطينية ولكن لكى نتذكر فمبادرة الرئيس السادات مباشرة بعد زيارته للقدس كانت مبادرة مؤتمر للسلام فى مينا هاوس فى ديسمبر 1977 ولم يأتِ الفلسطينيون وفاتت عليهم الفرصة لاستعادة أراضيهم وكيانهم ودولتهم إلى يومنا هذا رغم اتفاقيات أوسلو التى إن أردنا أو أبينا لم تطبق بسبب مماطلة الجانب الإسرائيلى وتشرذم الجانب الفلسطينى الذى انقسم على ذاته وحارب بعضه البعض بعد ان نجحت إسرائيل فى اختراق الصف الفلسطينى رغم الجهود المضنية خاصة جهود السياسة الحكيمة المصرية فى استعادة ما تبقى.
أتساءل، ماذا لو لم تكن مصر استعادت سيناء كاملة بعد انتصار أكتوبر 1973 الذى فرض على إسرائيل إرجاع الأرض المسلوبة، وظلت بين أيديهم 47 سنة؟ أزعم أنه كان سيبنى عليها مزيدا من المعسكرات العسكرية تهدد أمن مصر ودول الجوار ولم تكن قناة السويس قد فتحت أمام الملاحة الدولية ولا مشروع التفريعة الجديدة قد حفر وظلت موانئ مصر متأخرة عن بقية بلاد العالم واقتصاد مصر قد زاد انكماشا وزادت المستوطنات الإسرائيلية داخل أراضى سيناء المصرية وسادت سياستا تضييع الوقت وفرض الأمر الواقع التى تجيده إسرائيل والمثل أمامنا واضح جليا فى أراضى الضفة وعدم عودة لاجئى 48 ــ 56 ــ 67 إلى يومنا هذا.
سياسة الرئيس السادات فيما يخص استرجاع سيناء كانت ثاقبة والرجل كان له رؤية سابقة عن زمانها ومكانها فدهاؤه انتصر على سياسة إسرائيل وأيضا على التوقعات الأمريكية المنحازة لإسرائيل فاستحق احترام العدو قبل القريب، وها هو اليوم البلاد العربية التى قاطعت مصر بسبب سياسة السادات واتفاقية كامب ديفيد هى التى تستقبل الوفود الإسرائيلية نهارا جهارا. لأنها زهقت التشرذم الفلسطينى وشلة المنتفعين بالقضية وكذلك لأن العالم تغير بعد سبعين عاما وأصبحت مصلحتهم الاقتصادية والسياسية تقتضى التقرب من الكيان الصهيونى، فعدو الأمس أصبح صديق اليوم، هذه هى السياسة.
أدعو أن تحتفل مصر بمئوية الرئيس السادات احتفالا يليق به وبأعماله وبعظمة مصر. تحية لروح الرئيس السادات بطل الحرب والسلام فكان شجاعا ومقداما وقائدا حقيقيا خط تاريخه بحروف من دم لتظل إلى الأبد محفورة فى الوجدان.
الأب / رفيق جريش