خرجت الملايين تبكى رحيل جمال عبد الناصر 28 سبتمبر 1970، فيما خرجت الملايين تبكى بقاء مبارك ليلة 11 فبراير 2011.
قل ما شئت عن عبد الناصر العسكرى الديكتاتور المستبد العادل، اختلف معه إلى أبعد مدى، لكنى أزعم أن أحدا لا يختلف على نقائه وطهارة يده، وهو الذى كان يتحدث فيهتز الوطن العربى كله.
كان جمال عبد الناصر وهو رئيس أكبر دولة عربية يذهب إلى الإسكندرية مع أسرته فيقيم فى شقة مصيفية بالإيجار، وفى مذكرات زوجته الفاضلة السيدة تحية كاظم والتى عرضتها فى «الشروق» وتصدر فى كتاب قريبا تروى زوجة الزعيم أن الأسرة أمضت عدة سنوات فى بدايات الثورة دون أن تتاح لها فرصة السفر إلى الإسكندرية صيفا نظرا لانشغال زوجها.
وبعد أن رحل عبد الناصر قامت حملة مسعورة تحاول نهش سمعته وتشكك فى ذمته المالية فشكلت لجنة شارك فيها البرلمان وجهاز المدعى العام الاشتراكى وحققت طوال شهور وانتهت إلى أنه لو كان لنظافة اليد عنوان فهو جمال عبد الناصر، الذى استبدل معاشه وهو رئيس لأكبر دولة فى الشرق الأوسط لكى يستطيع تزويج ابنته الصغرى.
لم يكن عبد الناصر يمتلك دولة موازية اسمها جمهورية شرم الشيخ، ولم يكتب اسمه يوما فى بنوك سويسرا، أو يذكر أحد أنه شريك فى مؤسسات عالمية من الباطن، و لم يتردد اسم أحد من أبنائه فى مشروعات استثمارية غامضة تخطف الأبصار.
ولكل ذلك خرج ملايين المصريين والعرب ينتحبون ويصرخون فزعا حين باغتهم نبأ الرحيل المفاجئ للزعيم جمال عبد الناصر، ولعل مشهد جنازته كان الأكبر والأضخم فى تاريخ مصر، والعالم العربى.. كانت حالة من الفزع والهلع لا يضاهيها درجة إلا حالة الفزع من بقاء حسنى مبارك فى سلطنة شرم الشيخ وبقاء عدد من رجاله فى أروقة الحكم بعد ثورة 25 يناير.
وأظن أن الحشود التى خرجت تهتف «الوداع يا جمال يا حبيب الملايين» لا يضاهيها عدد فى التاريخ إلا الحشود التى خرجت تهتف لحسنى مبارك «ارحل» وتقدم أرواحها فى ميادين مصر ثمنا لرحيله عن الحكم.
إنهم يقولون دائما «العبرة بالنهايات» وأرجوك لا تحرم نفسك من المقارنة بين نهاية جمال عبد الناصر حبيب الملايين الذى مات فقيرا نظيفا طاهرا، وبين نهاية مبارك عاشق المليارات، الذى يعيش هناك فى شرم الشيخ، والدنيا كلها تتحدث عن مليارات دولاراته وطلبات تجميدها فى البنوك الأوروبية.
هذا هو الفرق بين زعيم انحاز للملايين، وحاكم انحاز للمليارديرات