الحصاد المر - جميل مطر - بوابة الشروق
الخميس 24 أبريل 2025 3:41 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الحصاد المر

نشر فى : الأربعاء 23 أبريل 2025 - 8:30 م | آخر تحديث : الأربعاء 23 أبريل 2025 - 8:30 م

سمعنا أو قرأنا أن الرئيس الأمريكى الجديد طلب من دولة عربية تخصيص مبلغ معين لاستثماره أو تخزينه فى بلاده مقابل خدمات سبق للولايات المتحدة تقديمها لها على امتداد السنوات الماضية. فوجئنا بعد شهر أو أقل بالدولة العربية تستجيب للطلب بل وتعرض من جانبها مضاعفة المبلغ. أثار الطلب اهتمام جماعة التكامليين العرب وأثارت الاستجابة السخية عند إذاعتها إحباطهم. عبَّر بعضهم عن الإحباط بالقول إنهم كانوا يأملون أن يخصص مبلغ بهذا الحجم لتنفيذ مشاريع اقتصادية تكاملية تسهم فى إنعاش أو على الأقل وقف انهيار النظام الإقليمى العربى حتى تتجدد دوافعه فيبعث من جديد.
خشيت طويلا أن أجاهر بموقف من هذا الرأى يساء فهمه فيتسبب سوء الفهم فى زيادة الإحباط. ولكنى الآن، وأمام اطراد التفكك والانفراط وتفاقم مظاهر الانحدار فى منظومة العمل العربى المشترك، عدت لأجاهر مطمئنًا إلى أن الفريق الأكبر فى جماعة التكامليين العرب لن يسىء فهم موقفى. موقفى يتلخص كما ذكرت فى مواقع أخرى فى أن أى مبلغ مهما كان حجمه وأيا كان مصدره وأيا كانت وجهته وأيا كانت درجة صدقيته لن يحقق فائدة تذكر للمشروع التكاملى العربى طالما ظلت فى مكانها وربما متفاقمة العقبات والتحديات التى تواجه هذا المشروع ــ الحلم وتقف حائلاً دون تحقيقه. أشير هنا وفى عجالة متعمدة إلى أهم ما قصدت كعقبات وتحديات تواجه المشروع التكاملى، وهى التالية:
أولا: انحسار العقيدة. وأعنى بها تخلى شريحة كبيرة من المسئولين والإعلاميين بخاصة فى مختلف الأوطان والأقطار العربية عن الإيمان بالقومية العربية كعقيدة سياسية ومنهاجا للعمل السياسى والاقتصادى وبالعروبة كصفة شاملة ومظلة يحتمى بها وتظلل مكونات متعددة من شعوب المنطقة العربية. رحت أبحث فى خطابات وتصريحات مختلف زعماء المنطقة عن كلمة عربى وعروبة وقومية ونادرًا ما أجدها فيها وهى التى كانت تزين خطاباتهم وتصريحاتهم، وأهم من الزينة كانت تمنحها القوة والصدقية وتمنحهم القدوة. تراجعت مكانة العروبة كهوية مع تراجعها كمرجعية وولاء واعتزاز. أريد لها الانحسار بعد أن شنت الحملات والخطط لإضعاف العقيدة الدينية الأولى فى المنطقة باستخدام العنف المسلح والتآمر المتواصل. هكذا ساهموا فى صنع أساس الانفراط والتبعثر بين شعوب المنطقة وفى داخل كل شعب منها.
• • •
ثانيا: استخدام التطبيع فى علاقات الدول العربية مع إسرائيل بقصد هدم أو تفكيك القومية العربية كعقيدة سياسية أولى فى الوطن العربى. يفهم البعض التطبيع كمجرد تبادل الدبلوماسيين وإقامة سفارات. التطبيع الحقيقى كما هو ملاحظ خلال تجاربه العديدة يعنى أكثر بكثير، يعنى مثلا (أ) امتناع الدول المطبعة عن عقد اتفاقات أمنية وإقامة علاقات أوثق مع دول عربية أو أجنبية ليست على وفاق مع إسرائيل. (ب) امتناع مناهجها التعليمية عن تدريس الحقائق التاريخية والدينية عن شعب إسرائيل وخطط توسعها وكل ما يسئ لسمعة اليهود. (ج) عدم التصويت ضد إسرائيل فى مجالس الأمم المتحدة ومنظماتها. (د) الامتناع عن نشر الأخبار والتعليقات والآراء المناهضة لها وللصهيونية فى أجهزة الإعلام. وأخيرا عدم ترشيح شخصيات معروفة بمواقفها المعادية للصهيونية وإسرائيل فى وظائف دولية مرموقة.
لا أدرى بأى صفة أصف هذه الضرورات التى فرضها التطبيع إلا بأنها تدخل سافر فى شئون الدولة العربية المطبعة وخرق واضح لسيادتها، وفى المحصلة تصير طرفا مخالفا فى منظومة العمل القومى المشترك، والأدهى أن تصير هى نفسها قدوة للدول الأقل شأنا فى العمل العربى المشترك والساعية لكسب رضاء الولايات المتحدة، الدولة الأعظم الحريصة على دعم، وربما فرض، كل عمل «تطبيعى» مع إسرائيل.
من هنا يمكن القول إن أحداث وتفاصيل حرب الإبادة الإسرائيلية على الفلسطينيين فى غزة والضفة كانت امتحانًا عسيرًا لأمة منزوعة العقيدة السياسية أى منزوعة العروبة بمضمونها العقائدى.
• • •
ثالثًا: ما زلنا كعرب نعيش قسوة ووحشية مرحلة الانتقال من نظام دولى منتهى الصلاحية إلى نظام جديد يتكون. نعرف أن مثل هذه المراحل يسود فيها العنف فى أشد وأقسى أشكاله أو الفوضى الضاربة سياسيا والحافلة بعمليات إسقاط مؤسسات وإثارة اضطرابات كما حدث فى سوريا واليمن والسودان وتغيير أنظمة حكم كما حدث فى العراق وليبيا. هذه الحالة مرشحة للاستمرار طالما ظل النظام الدولى الجديد والنظام الإقليمى أو النظم الإقليمية الجديدة فى الشرق الأوسط فى دور التكوين. بمعنى آخر سوف تظل حالة عدم الاستقرار والعنف بكل أنواعه وحالات الضم والانفراط هى السائدة فى العالم الخارجى كما فى الشرق الأوسط.
لاحظنا كم أصبح الدور الروسى والصينى، كما الدور الأوروبى، فى المسألة الفلسطينية هامشيا أو كما يطلقون هم عليه، براجماتيا. بمعنى آخر يوجد ما يشبه الإقرار بأن حال توازن القوى الدولى الراهن ممتزجا بخطط الترتيب لعالم ما بعد فلسطين وأوكرانيا يفرض على القوى الكبرى التزام الواقعية والمصالح والابتعاد عن الأيديولوجيا قدر المستطاع.
• • •
رابعا: العجز المتكرر فى الدبلوماسيات الأجنبية كما العربية عن التوصل لصيغة يستقر بها الخطاب الدبلوماسى المتعلق بحرب الإبادة الإسرائيلية على تعريف مناسب لدور المقاومة الفلسطينية فى المستقبل. نعترف أن كل محاولات إنكار وجودها فى الماضى كما فى الحاضر فشلت أمام التوسع المستمر من جانب المستوطنين فى أراضى وممتلكات العرب الفلسطينيين. من الضرورى أن نتوقع استمرار هذا التوسع واستمرار المقاومة المسلحة ضده، ولن يفلح الإصرار على صيغة نزع سلاح القرى والمخيمات والبيوت الفلسطينية، وسوف تظل المقاومة فى نظر أمريكا ومبعوثيها من الصهاينة الكارهين للعرب «سرطانا»، حسب فهم السيدة «أورتاجوس» المبعوثة الشخصية للرئيس ترامب، بينما واقع الحال يقضى بأن شيئًا مشروعًا ومقبولًا وممكنًا يمكن أن يوقف زحف المستوطنين إلا المقاومة المسلحة.
• • •
خامسا: ربما، وأقول «ربما» لغرض. ربما كانت، وستظل، منظمة التحرير الفلسطينية بحالها القائم والثابت أحد أهم التحديات والعقبات التى حالت دون تطور النظام الإقليمى العربى تمشيًا مع رأى الآباء المؤسسين للفكر القومى العربى. حاول القائمون عليها إرضاء كل الأمزجة والتيارات السياسية العربية حتى استحقت بالفعل صفة الرقم الصعب فى المعادلة الإقليمية. ليس سرًا أن هذه الأمزجة والتيارات وتصنيفات أخرى عديدة اهتمت بمنظمة تحرير فلسطين بأكثر مما استحقت عمليا. لاحظنا مرارًا حتى اقتنعنا أنها أنعمت عليها بصفة الدولة لتخلى بعض مسئوليتها عن فلسطين وهى تنساب من بين أصابع الزعماء العرب. كانت الكاشف العظيم للعجز العربى العام والمنفرد، وفى الوقت نفسه كان احتمال غيابها لو أسقطها العرب من جداولهم كاشفًا أعظم. كان وجودها هامًا وغيابها لو وقع أهم. استخدمها حكام إسرائيل للنفاذ إلى قلب فلسطين أو ما يمثله، إسرائيل هى القناة التى توصل مستحقات المنظمة وموظفى فلسطين وهى المسئولة نظريا عن أمنها وسلامة قادتها. لم ننتبه نحن وغيرنا إلى حقيقة أن انحدار النظام الدولى وانهيار بعض أهم مؤسساته ودخوله المرحلة الانتقالية سوف يعود بأقصى الضرر على المنظمة الفلسطينية المحسوبة ضمنًا على هذا النظام المنتهية صلاحيته، وهى أيضا المحسوبة ضمنًا، قوميًا وإقليميًا، على نظام عربى يفقد بالتدريج صفته القومية، وإن استمر متعلقًا بصفته الأخرى، أقصد الصفة الإقليمية، وهذه كما نعرف صارت فى مهب أعاصير تصنع الآن حدودًا جديدًا لكل دول الشرق الأوسط وأوزانًا جديدة لحقيقة القوى المكونة لإقليم الشرق الأوسط. للمنظمة كما نسمع ونرى دور متوقع وجديد يرسمه لها المنتصرون فى حرب غزة والضفة فى مباحثات ما يسمى باليوم التالى لوقف القتال فى غزة.
على كل حال لا نعتقد أن يكون هذا الدور، إن تحقق، عنصرًا إيجابيًا يخدم هدف إعادة موضوع التكامل الأمنى والاقتصادى إلى مكانة المستحق فى جدول اهتمامات العرب فى المستقبل القريب.
• • •
سنوات قليلة وربما شهور تفصلنا عن واقع دولى جديد وآخر إقليمى وجديد أيضا، وكلاهما يجرى رسم تفاصيله الآن. وبقدر ما نبذل من جهد نحو استعادة مصادر قوتنا وقوة عقائدنا بقدر ما نفرض موقعا سياسيا لنا على الخرائط التى نرى الآخرون يرسمونها أمامنا، أحيانا فى العلن، وأحيانا كثيرة بالعنف الممكن، وأحيانا بتواطؤ الضعف والمسايرة.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي