إصلاح الدولة أم علاج السلطة؟ - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 24 أبريل 2025 3:29 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

إصلاح الدولة أم علاج السلطة؟

نشر فى : الأربعاء 23 أبريل 2025 - 8:35 م | آخر تحديث : الأربعاء 23 أبريل 2025 - 8:35 م

هذا الجحيم الذى تعيشه أمتنا العربية، الممزّقة، المسلوبة الإرادة، المنغمسة فى صراعات عبثية منهكة، يجعلنا نطرح السؤال المفصلى الآتى: ماذا يجب أن يتعامل معه كأولوية نضالية: إصلاح الأسس التى قامت عليها الدولة الوطنية العربية الحديثة أم مواجهة الأمراض التى أصابت سلطة تلك الدولة؟
الجواب على هذا السؤال سيقرّر تركيبة وأساليب عمل وأهداف النضال المدنى والجماهيرى العربى الآن وفى المستقبل القريب.
ومن أجل أن نعرف مكمن المشكلة التى نطرحها دعونا نبدأ أولاً بتبيان ظروف أسس قيام الدولة العربية القطرية بعد نهاية الخلافة العثمانية على يد الغرب، أو بعد تقسيم المشرق العربى من قبل الاستعمارين الإنجليزى والفرنسى كما خططها مشروع سايس بيكو الاستعمارى الشهير.
كانت تلك اللحظة التاريخية بدء أزمة الدولة فى مكوناتها التى تتناقض مع مفاهيم الدولة/ الأمة الحديثة ومع غياب أسس عصرية لشرعية سلطات تلك الدولة التى حلت محل الأتراك العثمانيين أو محل قوى الاستعمار عندما تراجع ورحل من أرض بلاد العرب.
نحن هنا أمام مشهدين تاريخيين؛ الأول مشهد الدولة/ الأمة فى أوروبا الذى وصل عمره أربعة قرون تقريبا، والثانى مشهد الدولة (بدون توحد الأمة بعد) فى بلاد العرب الذى وصل عمرها حاليا بضعة عقود من السنين فقط.
ظروف ولادة الدولة العربية القطرية الحديثة نقلت فى الحال إليها قائمة من مواريث سياسية وعرقية وجهوية واجتماعية وثقافية ودينية كانت حصيلة عدة قرون من النظام العربى ــ الإسلامى المهيمن على المنطقة الشرق أوسطية برمتها.
على رأس قائمة تلك المواريث الترسخ التاريخى للقبلية والعشائرية والطائفية المذهبية والحساسيات العرقية، والكثير من السلوكيات والعادات الاجتماعية البدائية، ومن مفاهيم مغلوطة كطاعة الحاكم العمياء، والخوف المريض من الفتنة، وإشكاليات مفاهيم الدولة الدينية، ومصطلحى الخلافة والإمامة.
كانت قائمة من المواريث التى أقحمت الدين فى كل جانب من جوانب قيام الدولة، وذلك بالرغم من أن علماء إسلاميين كبارا من أمثال محمد عبده والشيخ محمد مهدى شمس الدين وغيرهما قد أكدوا قبل قرن من قيام الدولة العربية أن الخلافة هى عمل سياسى والخليفة حاكم مدنى وأن الدولة غير مقدسة وأنها فى الدرجة الأولى كيان سياسى وقانونى، وأنه فى أقصى الأحوال تمثل الدولة العربية، فى إطار الإسلام، دولة الاجتهاد البشرى فى سياق الالتزام بتنفيذ مبادئ العدل والإحسان والنهى عن المنكر وكرامة الإنسان وحريته.
إن دولة تنشأ وهى مثقلة بكل تلك المواريث لا تستطيع أن تفرز سلطة لتحكمها وتديرها وتنميها، تتّسم بالمدنية والحداثة، وبالتالى بالديموقراطية الشرعية. وهذا ما حصل للغالبية الساحقة من دول العرب القطرية، مهما كانت طبيعتها، قبلية أو دينية أو عسكرية أو مدنية ليبرالية. جميعهم وقعوا تحت أمراض تلك المواريث التى كوّنت الدولة العربية القطرية فى بداية عهدها.
هكذا وجدت الأمة العربية، وقبل أن تتوحد وتبنى نفسها فى الواقع، مثقلة بدولة فيها كثير من التشوهات وبسلطة تحكمها فيها كثير من العيوب.
فى الحال نواجه هذا السؤال: من أجل الخروج من هذه الحلقة المفرغة، هل الأولوية فى أجندة النضال الشعبى والمدنى العربى للتركيز على إصلاح الدولة؟ أم التركيز على مواجهة سلطاتها وبناء سلطات أفضل تقوم هى الأخرى بإصلاح الدولة؟
هذا سؤال بالغ الأهمية لأن الإجابة عليه ستقرر الجوانب النضالية السياسية فى واقع المجتمعات العربية، وستحدّد نوع النضال المطلوب فى المستقبل.
لقد ركزت مؤتمرات ومناقشات جرت سابقا على الجوانب النظرية والفكرية، بينما المطلوب هو النزول إلى الواقع ومواجهته.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات