أسابيع كثيرة مضت عزيزى القارئ تمنيت لك فيها الصحة والسعادة رغم أننى أعلم جيدا أننى كثيرا أيضا ما كتبت ما لا يبعث على السعادة وإن كان يتحدث عن هموم الصحة. هذا الصباح أكتب بثقة فى أن ما سأقصه يحمل إلى قلوبنا جميعا قدرا من التفاؤل فى مستقبل الصحة وقدرات الطبيب المصرى.
مرت بى تجربة فى نهاية الأسبوع ــ الخميس ليلا ــ بدأت بأن حمل إلينا أحد الجيران بالسكن نبأ أن شابة فى مقتبل عمرها تسكن إلى جوارنا تعيش فى رعاية جدتها إذ إن والديها يعملان فى السعودية قد دهمتها عربة «نصف نقل» فأطاحت بها على الطريق الصحراوى وفرت هاربة. أسرع كل من سمع النبأ لنجدتها وبدأنا بطلب الإسعاف التى بالفعل حضرت فيما لا يزيد على عشر دقائق إذ على ما يبدو كانت فى مكانها على محور 26 يوليو. انطلقنا وراءها بعرباتنا الخاصة إلى مستشفى الشيخ زايد ومنا من يلوم الآخر لماذا رضخنا لاختيار رجال الإسعاف ولم نطلب نقلها لمستشفى خاص قد تلقى فيه رعاية أفضل خاصة أن إصابتها الواضحة كانت بالرأس.
وصلنا المستشفى الذى لم أكن قد زرته من قبل ففوجئنا بمبنى حديث بالغ الأناقة لكن الذى أدهشنى أن وجدته وقد أحاط بها ثلاثة أطباء حديثى العهد بالمهنة وإن كانوا قد أدوا مهمتهم على أكمل وجه أجروا لها كل الاختبارات الإكلينيكية التى تجرى للمصابين فى الحوادث وأتموا تطهير الجرح وإعداده للجراحة وانتهوا من تخطيط القلب وكانوا فى طريقهم لإجراء صور الأشعة المختلفة على العمود الفقرى والعظام والأشعة المقطعية على المخ بل وتم استدعاء استشارى العظام والأمراض العصبية لمراجعة حالتها.
لم يكن هناك شىء باق أسأل عنه أو أطلب عمله أو حتى أتأكد من أنه قد تم بصورة تلقائية. أجاب الدكتور مصطفى سيف النصر المناوب فى الطوارئ عن كل اسئلتى بما يمكننى من أن أشرح لوالديها على البعد الموقف بدقة وأن اطمئنهم على أنها تلقى رعاية على أعلى مستوى ممكن من الإنسانية والعلم.
قد يبدو كل هذا محتملا وواردا لكن الأمر الذى أذهلنى حقا أننى حينما تحركت لأسأل أين يمكننى أن أسدد قيمة ما تلقته من رعاية وقد كنت بالفعل مهيأة لأى رقم فى مقابل ما تلقته بالفعل وما أعرف قيمته من وسائل استخدموها للتشخيص وتقييم حالتها إلا أننى تبينت أن الخدمة الطبية مهما تعاظمت فى مستشفى الشيخ زايد مجانية فى الأربع وعشرين ساعة الأولى تقديرا لظروف المصاب فى حادث وأن ما يلى ذلك من رعاية يحاسب عليه بأسعار اقتصادية فإن لم يكن قادرا يستخرج له قرار للعلاج على نفقة الدولة!
يا سبحان الله!
ألا تشاركوننى الدهشة؟ وللحديث بقية إن شاء الله