إيران فى عهد بزشكيان.. داخليًا وخارجيًا - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الأحد 8 سبتمبر 2024 3:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إيران فى عهد بزشكيان.. داخليًا وخارجيًا

نشر فى : الثلاثاء 23 يوليه 2024 - 10:05 م | آخر تحديث : الثلاثاء 23 يوليه 2024 - 10:05 م

لم يكن أمرا سهلا أو متوقعا من قبل الكثيرين داخل وخارج إيران أن يفوز المرشح الإصلاحى الوحيد فى انتخابات الرئاسة، مسعود بزشكيان، فى سباق الحملات الانتخابية والتصويت وتحقيق أعلى الأصوات فى الجولة الأولى من الانتخابات، ويفوز بنسبة 54% فى الجولة الثانية. كانت المنافسة مع خمسة مرشحين من التيار المحافظ بينهم اثنان من القيادات البارزة، أولهما رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، وثانيهما سعيد جليلى المقرب من المرشد الأعلى آية الله على خامنئى، والذى خاض الجولة الثانية منافسا لبزشكيان. كان ثمة شعور عام أن منصب الرئيس هذه المرة سيكون من نصيب التيار المحافظ، استكمالا لفترة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسى من نفس التيار، وهو ما أدى إلى تقاعس كثيرين من مؤيدى التيار الإصلاحى عن التصويت فى الجولة الأولى، ولكن تفوق بزشكيان على كل منافسيه فى الجولة الأولى شجعهم على المشاركة الفعالة فى الجولة الثانية.
يعد بزشكيان خير ممثل للأقليات الإيرانية، فهو من أب من الأذريين الإيرانيين الذين يبلغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، ومن أم كردية إيرانية. كما أنه بحكم مهنته طبيب متخصص فى جراحة القلوب، يحسب خطواته بدقة واحتياط قبل بدء أى عملية. وقد اتسمت تصريحاته طوال حملته الانتخابية وبعد إعلان فوزه رسميا، بالاعتدال وإبداء الاستعداد للانفتاح على الجميع داخليا وخارجيا، وقام بزيارة قبر آية الله الخمينى، وطالما قال إنه محافظ يسعى إلى الإصلاح من أجل مصالح الشعب الإيرانى كله ومن أجل مصلحة الجمهورية الإسلامية.
• • •
جاء توجيه المرشد الأعلى آية الله على خامنئى لبزشكيان بأن يسير على نفس النهج الذى كان يتبعه الرئيس الراحل إبراهيم رئيسى. وهو توجيه عام لا يتضمن محددات وضوابط معينة. كما أن الرئيس الراحل ــ وكان من التيار المحافظ ــ مارس سياسات تتسم بالمرونة النسبية، ولم تختلف كثيرا، إلا فى بعض التفاصيل فى الشأن الداخلى، عن السياسات التى كان يتبعها الرئيس الإصلاحى الأسبق حسن روحانى، بالرغم من انتقادات بعض المحافظين لهذه السياسات، خاصة منهج وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف بشأن الملف النووى والعلاقات مع الدول الغربية. ورغم ذلك، فقد حاول الرئيس الراحل إبراهيم رئيسى فتح حوار غير مباشر مع الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية. ومن ثم، يعتبر بزشكيان واتجاهه الإصلاحى المنفتح على الداخل والخارج استكمالا لمراحل مرت بها إيران خلال العقد الأخير باتباع سياسات أقل تشددا ورغبة فى التعاون على أساس الندية والاحترام المتبادل، وتحت ضغوط داخلية اقتصادية واجتماعية وسياسية قوية، وحالة من الاحتقان الداخلى فى أمس الحاجة إلى إحداث انفراجة فى المعيشة والحريات العامة. ذلك لأن استمرار الضغوط الاقتصادية، ومعدلات التضخم العالية، مع التشدد فى فرض قيود على الحريات والسلوكيات الاجتماعية، والثقافية، وحرية الرأى، وعدم طرح مبادرات جديدة للصالح العام وتمس حياة الشعب، خاصة الشباب والمرأة، وهما أكبر شريحتين فى المجتمع الإيرانى، قد يؤدى إلى عودة الاضطرابات أشد قوة وعنفا.
لذا فقد سارع الرئيس المنتخب بزشكيان بتشكيل اللجنة الاستراتيجية للمرحلة الانتقالية برئاسة محمد جواد ظريف، وتضم هذه اللجنة عدة لجان فرعية فى جميع المجالات بواقع 12 خبيرا متخصصا فى كل لجنة، بإجمالى أعضاء كل اللجان 450 عضوا. ومن أولى مهامها وضع المعايير لاختيار وزراء الحكومة الجديدة وأن تكون ممثلة لجميع طوائف وأطياف المجتمع الإيرانى. قال ظريف أن الحكومة المقبلة ستسعى لاستثمار أجواء الأمل والنشاط فى المجتمع الإيرانى، وتشارك فى اختيار الحكومة مؤسسات المجتمع المدني، والجمعيات العلمية، والجامعات، والنقابات، كما أرسلت معايير اختيار الوزراء إلى جميع الأحزاب وللمنافسين فى انتخابات الرئاسة الأخيرة، وذلك من أجل أن تكون حكومة توافق وطنى على أساس الوحدة والتضامن وشمول القوميات والأقليات الدينية، وأن 60% من المرشحين للمناصب الوزارية لأول مرة تتراوح أعمارهم ما بين 50 إلى 55 سنة.
واضح أن وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف، والذى اضطلع بدور مهم ونشط فى حملة بزشكيان الانتخابية، سيكون له دور فعال إلى جانب رئيس الجمهورية الجديد الذى ليس له خبرة كبيرة فى العلاقات الخارجية، وقد قال بنفسه أنه سيوكل مهمة العلاقات الخارجية إلى الدبلوماسيين الإيرانيين الأكفاء. ويعد جواد ظريف من أبرز الخبراء الإيرانيين فى هذا المجال، وهو الذى أكمل دراسته الثانوية، ثم الجامعية، وحصل على الماجستير والدكتوراه فى القانون الدولى والسياسة من المدارس والجامعات الأمريكية. وعمل فى عدة مناصب دبلوماسية إيرانية ودولية، ورأس وفد إيران الدائم فى الأمم المتحدة فى نيويورك إلى أن تولى وزارة الخارجية الإيرانية وكان له باع طويل فى مفاوضات التوصل إلى الاتفاق النووى مع القوى الكبرى عام 2015. ومن ثم يتوقع أن يكون له دور فعال فى السياسة الخارجية الإيرانية فى حدود المسموح به والمتاح على ضوء مواقف الآخرين.
• • •
عقد بزشكيان عدة اجتماعات مهمة مع قائد الحرس الثورى الإيرانى ومعه كبار القادة خاصة فيلق القدس، وذلك للتشاور معهم بشأن ما يتولونه من أمور فى الداخل والخارج، كما التقى مع قادة قوات الجيش والشرطة. تضطلع هذه الهيئات بدور بالغ الأهمية فى أداء المهام الأمنية وتقديم المساعدات للحلفاء فى الخارج، إلى جانب تبعية معظمهم لسلطة المرشد الأعلى آية الله على خامنئى مباشرة. ومن ثم فإن اجتماع بزشكيان معهم مهم للغاية ليحيطوه علما بطبيعة المهام الموكلة إليهم، والتعرف على آرائه وتوجهاته فى المرحلة القادمة، خاصة فيما يتصل بالمهام الخارجية.
كما أكد بزشكيان على استمرار الانفتاح على دول الجوار لتحسين العلاقات إلى درجة ملموسة معها، ودعا كلا من تركيا، والسعودية، وسلطنة عمان، والإمارات العربية إلى زيادة العلاقات التجارية، ومعالجة التحديات المشتركة فى المنطقة. وأن حكومته ستبحث مع الدول العربية المجاورة التعاون والاستفادة من كل الوسائل السياسية والدبلوماسية لإعطاء الأولوية لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار فى قطاع غزة، لوقف المذبحة ومنع اتساع نطاق الصراع، ثم العمل بعد ذلك لإنهاء الصراع الطويل الذى دمر حياة أربعة أجيال من الشعب الفلسطيني. ومعروف حالة العداء بين إيران وإسرائيل، وأن إيران تمارس دورها فى التأثير على إسرائيل من خلال حلفائها فى دول المنطقة، خاصة لبنان واليمن وسوريا والعراق.
ترتبط إيران باتفاقيات تعاون استراتيجى مع كل من روسيا والصين، ورغم وجود خلافات حول بعض الموضوعات مع روسيا، إلا أن رئيس البرلمان الإيرانى، محمد باقر قاليباف، أكد خلال مشاركته فى المؤتمر البرلمانى لدول البريكس فى سان بطرسبرج فى روسيا ولقائه مع الرئيس بوتين، على أهمية وشمول العلاقات الإيرانية الروسية، وأكد الجانب الروسى على أن إيران عضو مهم فى تجمع البريكس. ورغم انتقاد الإصلاحيين بيع البترول الإيرانى بأقل من الأسعار العالمية لكل من الصين والهند، إلا أن إيران مضطرة لذلك نتيجة للعقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة عليها.
• • •
أعلن البيت الأبيض الأمريكى أنه لا يتوقع أى تغيير فى سلوك إيران بعد انتخاب الإصلاحى بزشكيان رئيسا لها، وأن واشنطن ليست مستعدة لاستئناف محادثات الملف النووى مع إيران فى ظل الرئيس الجديد. وسبق أن حاولت إدارة بايدن عمل اختراق فى المفاوضات غير المباشرة مع إيران عن طريق وسطاء، وعينت أحد أبرز خبرائها فى هذا الموضوع وفى قضايا الشرق الأوسط بصفة عامة، وهو روبرت مالى، رئيسا للوفد الأمريكى. ولكن ما إن قطع شوطا إيجابيا إلى حد ما فى المفاوضات غير المباشرة، حتى أطيح به بدعوى أنه سرب معلومات محظورة. ولكن حقيقة الأمر أن عودة واشنطن للاتفاق النووى مع إيران تلقى معارضة قوية من كبار الديمقراطيين والجمهوريين فى الكونجرس الأمريكى، وبدفع قوى من إسرائيل إلى جانب وضع الجانب الأمريكى شروطا ترى إيران أن لا علاقة لها بالاتفاق النووى الذى تم توقيعه فى عام 2015، وانسحبت واشنطن منه أحاديا فى عام 2018. من هذه الشروط وضع قيود على برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانى، ووضع حدود لكميات ونوعيات تخصيب اليورانيوم أشد من قيود اتفاق منع الانتشار النووى الموقعة عليه إيران، ووضع حدود لانتشار إيران فى دول المنطقة وكف مساعدتها لحزب الله فى لبنان، والحوثيين فى اليمن، والحشد الشعبى فى العراق، والنظام السوري. وكلها شروط ترفضها إيران وتعتبرها خارج الاتفاق النووى، وأن من حقها إقامة علاقات مع كل من يقبل التعاون معها.
• • •
إن الرئيس الإيرانى المنتخب، مسعود بزشكيان، وجه إصلاحى جديد ليس تصادميا مع تيار المحافظين، فقد بدأ قبل توليه الرئاسة رسميا فى أغسطس 2024 اتباع منهج جديد بوضع معايير لاختيار وزراء الحكومة الجديدة تشمل كل من تنطبق عليهم هذه المعايير من جميع الاتجاهات والأحزاب والنقابات والأقليات العرقية والدينية، مما قد يخفف من حالة الاحتقان الداخلى ويعطى قوة دفع لمواجهة غلاء المعيشة ومواجهة الفساد. وأعلن أنه على المستوى الخارجى فإن يده ممدودة للانفتاح على الجميع بقدر استجابتهم، مع اهتمام خاص بدول الجوار وروسيا والصين اللذين يعتبران حلفاء إيران. أما الموقف الأمريكى، فقد يبقى متشددا كما هو الآن، أو يطرأ عليه تغير إما للأشد أو المتسم بالمرونة على ضوء نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى نوفمبر 2024. وقد أكد بزشكيان موقف إيران المؤيد لعدم توسيع نطاق الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وهو ما يدل على استمرار إيران فى الابتعاد عن التصعيد رغم التصعيد الإسرائيلى غير المسئول.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات