المفترض أن المستشار محمود مكى نائب رئيس الجمهورية هو المسئول عن إدارة الحوار الوطنى حسب ما أعلن هو نفسه عن صلاحياته ودوره، لكن المؤكد أن الرجل الذى غادر لتمثيل مصر فى قمة إسلامية فى باكستان حاليا، لا علاقة لها بهذا الحوار أو لم يبدأ بعد مزاولته.
منذ تولى مكى موقعه والأزمات بين فرقاء السياسة تتصاعد، لا تقتصر على حدة اللغة وغلظة الاتهامات، وفجاجة التخوين المتبادل، لكنها تمتد إلى إجراءات فى الشارع وعلى مستوى المؤسسات تذهب بما كان يسمى بحالة التوافق الوطنى إلى مسار بعيد تماما عن معنى هذه الكلمة.
لديك مواجهات فى الشارع مازالت دامية ومشتعلة على الأقل حتى لحظة كتابة هذه السطور ظهر أمس، ولديك انفجار فى الجمعية التأسيسية انتهى بانسحابات حقيقية ومؤثرة، ولديك أزمات بين الدولة كدولة وفئات عديدة من المجتمع من الأطباء إلى المعلمين إلى القبائل السيناوية، إلى الإعلام والصحافة، إلى العمال، وأساتذة الجامعات وطلابها، ناهيك عن القوى والحركات السياسية التى كانت شريكة فى الثورة وتفاهمات ما قبل الانتخابات الرئاسية.
وسط كل هذه الأزمات من منكم سمع أو شاهد أو قرأ عن تحرك للمستشار مكى يشير من قريب أو بعيد أن الرجل ضالع فى مهمته الأساسية فى إدارة الحوار الوطنى؟
أطرح هذا السؤال ردا على من يسألون: أين الدولة فى كل هذه الأزمات، لأن المفترض أن فى الدولة مسئول بدرجة نائب للرئيس هذه مهمته وهذه وظيفته، أعلنت الرئاسة ذلك وأعلن هو ذلك مرات كثيرة.
وسط كل هذه الأحداث أيضا نشرت «الشروق» عن أزمات فى قصر الرئاسة إحداها استياء محمود مكى من عدم وجود صلاحيات محددة وعدم تمكينه من ممارسة مهامة المعلنة وتهميشه، لكن الرئاسة نفت ذلك فيما أفعالها وما يصدر عنها، والغياب الواضح لنائب الرئيس فى أوقات كان من المفترض أن يظهر فيها تؤكد ذلك.
وهذا يعيدك كذلك لمحمود مكى الذى لم يمل فى ظهوراته الإعلامية القليلة أن يؤكد على الشفافية وإتاحة المعلومات، لكن وجوده فى مؤسسة الرئاسة يحيط به غموض حقيقى، يجعلنا نصدق أنه مجرد ديكور، قاض مهم وجليل وذو تاريخ واضح مجرد وجوده يعطى إشارات إيجابية عن المؤسسة.
لكن ضع اسم المستشار الجليل على محركات البحث وانتظر النتائج، لتعرف كم مرة تحدث مكى عن أزمة داخلية، وكم تحرك ونشاط قام به، وكم أزمة لها علاقة بالحوار الوطنى اندلعت فيما هو غائب لا حس ولا خبر.
المسألة فى النهاية ليس لها علاقة بشخص مكى أو قبوله أن يكون ديكورا، بقدر ما لها علاقة بسؤال مشروع، من الذى يدير ملف الحوار إذا كان هناك من يديره؟ وأين هو من هذا الإحتقان الدائر فى المجتمع سياسيا واجتماعيا وفى الشارع أيضا، وإذا كانت الدولة استنفرت وهذا واجبها لتحقيق تهدئة فى غزة، فلماذا لا نراها وهذا واجبها أيضا تبذل الجهد لتحقيق تهدئة فى الداخل بضمانات حقيقية، هل لأن هذا الملف لا يعنيها، أم لأن المسئول عنه لا يقوم بدوره طوعا أو كرها؟.. أفيدونا!