فشلت فى شحذ تركيزى لمتابعة تلك الدراسة التى تقيم تجربة الإصلاح الضريبى فى مصر التى قامت على فلسفة الضريبة الموحدة وخفضت نسبة الضريبة بنحو 50% أو أكثر على الشركات، وبينما كانت الدراسة تعدد مزايا التجربة والنتائج الإيجابية التى ترتبت عليها قفز إلى ذاكرتى فجأة صورة تلك الأسرة المصرية البائسة التى تعيش فى قارب متهالك على صفحة النيل لأنها لا تجد سكنا على اليابسة، كان رب الأسرة يقول لمذيعة قناة الـ«بى.بى.سى» «شاركنا فى الثورة على أمل إصلاح أحوالنا لكن مر أكثر من عام ولم يتغير شىء، أما زوجته التى كانت تحتضن أحد أطفالها فكانت أقصى أمانيها أن تعيش بين أربعة جدران على اليابسة.. قالت للمذيعة التى سألتها عما تتمناه: «أريد أن أعيش زى الناس اللى فوق».
اختلطت الصور أمامى لتحتل صورة أسرة الصياد الشاشة التى كانت تعرض الدراسة من خلال ندوة المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، بينما كان المشاركون فى الندوة من رجال أعمال وخبراء وحتى مسئولين من مصلحة الضرائب يحذرون من أى إصلاح ضريبى يدعو إلى الضريبة التصاعدية التى تهدف إلى زيادة نصيب الأغنياء من الضريبة وتحملهم قدر أكبر من المسئولية الاجتماعية تجاه أسرة الصياد وغيرهم من ساكنى العشوائيات بمختلف أشكالها وألوانها وتجاه الفقراء ومحدودى الدخل، ورغم أن الدراسة استندت فى تحيزها للضريبة الموحدة إلى التجربة الروسية فى الإصلاح الضريبى التى وحدت الضريبة على الدخل الشخصى وخفضتها إلى 13% إلا أن نفس التجربة حافظت على ضريبة الشركات بنسبة 30% ولم تخفضها إلى 20% كما حدث فى مصر.
كما أن روسيا رفعت الضرائب على الأرباح الموزعة للأسهم من 15% إلى 30% وهو ما لم توص به الدراسة بل إن حكومات ما قبل الثورة وبعدها لم تجرؤ على المساس بالأرباح الرأسمالية ولا توزيعات الأسهم التى يستفيد منها بالأساس كبار المتعاملين بالبورصة.
للاسف لم تفلح ثورة 25 يناير فى إقناع القطاع الخاص أو حتى الحكومة بضرورة التوصل إلى آليات جادة لتحقيق العدالة الاجتماعية وفى مقدمة هذه الآليات العمل بالضريبة التصاعدية خاصة أن أعتى الدول الرأسمالية التى يعتنق القطاع الخاص نظمها الاقتصادية تطبق هذه الضريبة ومنها الولايات المتحدة وألمانيا وأستراليا وفرنسا واليابان وغيرها.
ما زالت الحكومة متخوفة من تعديل الشرائح الضريبة على الدخول الشخصية لصالح الفئات الضعيفة ومحدودة الدخل وحتى متوسطى الدخل والذين لا يزيد حد الإعفاء الضريبى لهم منذ عام 2005 وحتى الآن على 5 آلاف جنيه فى العام ليخضع باقى الدخل لضريبة تقترب أو تتساوى مع من تصل دخولهم إلى ملايين الجنيهات، لقد حان الوقت إن لم يكن قد تأخر لتنحاز الدولة بكل مؤسساتها للفقراء بعد سنوات طويلة من الانحياز للأغنياء؟