النازحون الإسرائيليون - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
السبت 6 يوليه 2024 9:41 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النازحون الإسرائيليون

نشر فى : الإثنين 24 يونيو 2024 - 6:35 م | آخر تحديث : الإثنين 24 يونيو 2024 - 6:37 م

 صاغرة مكرهة، انكبت إسرائيل تتجرع مرارة ذات الكأس، الذى أجبرت الفلسطينيين على تجرعه طيلة ما يربو على عقود ثمانية خلت. فبموازاة موجات الهجرة العكسية المتنامية، أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال، يوم 17 أكتوبر الماضى، أن تداعيات عملية «طوفان الأقصى»، أسفرت عن نزوح حوالى نصف مليون إسرائيلى داخليا؛ حيث تم إخلاء جنوب البلاد بالكامل، من سكانه، بما فيه من بلدات، وتجمّعات سكنية ملاصقة لقطاع غزة. وفى الشمال، تم إخلاء أكثر من عشرين بلدة وتجمّع سكنى على الحدود مع لبنان، إذ أوردت صحيفة «هاآرتس»، أن كل من يعيشون داخل مسافة قدرها خمسة كيلو مترات من تلك الحدود، جرى إجلاؤهم، بما فى ذلك مدينة سديروت. فيما وجد نازحون آخرون ملاذات لدى أقاربهم بمناطق آمنة وسط البلاد. واعتبر المتحدّث العسكرى نزوح نصف مليون إسرائيلى، يشكلون 5% من إجمالى سكان البلاد، أضخم عملية نزوح فى تاريخ الدولة العبرية.

توخيا منها لحمايتهم من الضربات الصاروخية، المكثفة والمتواصلة، من لدن المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، عمدت الحكومة الإسرائيلية، إلى إبعاد المدنيين عن مناطق القتال؛ حيث استأجرت لهم غرفا فندقية، بيوت ضيافة، ونصبت خيام إيواء؛ فى مشهد يستحضر المعاناة المزمنة للفلسطينيين. ووفق مصادر عسكرية إسرائيلية، ناهز عدد النازحين من غلاف غزة وحدود لبنان 120 ألفا، فيما قفز إلى نصف مليون، بعد إضافة جموع بشرية من بقاع أخرى طالتها ضربات المقاومة.

نفسيا، نكأ النزوح الداخلى الحالى جراح تجربة الشتات أو «الدياسبورا»، بكل ما تنطوى عليه من عذابات ومرارات تاريخية، لم يبرأ منها الوعى الجمعى اليهودى. ورغم ما قد يتخللها من أحقاب ذهبية ليهود الشتات، يعتبرها التصور الصهيونى، وصمة عار يتعين نسيانها. كونها تجسِّد هامشية اليهود، وقيمهم غير القومية، التى يجب التبرؤ منها. فلقد وصفها الحاخام «موردخاى بيرون»، كبير حاخامات الجيش الإسرائيلى، بأنها «لعنة أبدية». أما بن جوريون، فاعتبرها «غبارا إنسانيا متناثرا». وارتآها الناشط الصهيونى، يعقوب كلاتزكين، «دمارا وانحلالا وضعفا أبديا».

اقتصاديا، فاقمت ظاهرة النزوح الداخلى الأعباء المالية على كاهل حكومة الاحتلال؛ بالتزامن مع تجاوز الفاتورة الاقتصادية للعدوان الحالى على غزة، سبعين مليار دولار، تراجع الناتج القومى بنسبة 22%، تعاظم العجز المالى، هروب الاستثمارات الأجنبية والثروات المحلية. فلقد كشف اتحاد الفنادق الإسرائيلية عن تخصيص 28 ألف غرفة فندقية من بين 56 ألفا، تشكل إجمالى المتاح بالبلاد، لمن تم إجلاؤهم. فيما ستدفع حكومة الاحتلال 50 دولارا يوميا، لكل من لا يتاح له سرير بغرفة فندقية، مع إقامة مدينة خيام فى «إيلات»، التى استقبلت وحدها 60 ألف نازح، بما يفوق عدد سكانها. وبينما تعانى مستوطنات غلاف غزة، هروب الأيدى العاملة، بجريرة الحرب، يواجه الأمن الغذائى الإسرائيلى مأزقا هائلا.

إذ تؤكد الإحصاءات الرسمية أنها تمد البلاد بـ 75% من الخضراوات، 20% من الفاكهة، و7% من الحليب.

سياسيا، وبينما تعصف الانقسامات والخلافات بالنخبة الحاكمة فى إسرائيل، تنهال الانتقادات على حكومة، نتنياهو، رفضا لسياستها فى التعاطى مع النازحين وتعويض المتضررين. وذلك بالرغم من التماس الحكومة اليمينية المتطرفة، السبل الكفيلة بإعادة النازحين الإسرائيليين الداخليين إلى منازلهم فى أقرب وقت؛ بينما لا تألوا جهدا لتحويل النازحين الفلسطينيين، سواء المحليين أو العابرين للحدود، إلى لاجئين سرمديين فى دول أخرى. فى الأثناء، كشف تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، عن ارتفاع أعداد النازحين قسريا حول العالم، جراء الحروب، الصراعات، النزاعات المسلحة، العنف والاضطهاد، بنسبة 10% مقارنة بالعام الماضى، لتجاوز 120 مليون نسمة فى مايو الماضى. بما يمثل نحو ١٫٥% من سكان المعمورة ويؤكد تقرير المفوضية أن أكثر من ثلثى لاجئى العالم، نزحوا داخليا، أى لم يعبروا حدود بلادهم. كما يعتبرهم الفئة الأكثر ضعفا بين أطياف النازحين.

عسكريا، يشكل النازحون داخليا، ضغطا هائلا على حكومة نتنياهو، حتى باتوا أحد الدوافع التى تستحثه على شن عدوان على لبنان، لدحر حزب الله، وإجباره على سحب قواته من منطقة عمل قوات الطوارئ الدولية الموقتة الـ«يونيفيل»، أو ما تسمى «منطقة جنوب نهر الليطانى»، حتى مسافة ثمانية إلى عشرة كيلومترات إلى شماله، توخيا لتحييد ضرباته ضد شمال إسرائيل. مع نشر الجيش اللبنانى على طول الحدود مع إسرائيل؛ تنفيذا للقرار الأممى 1701، حتى يتسنى لقرابة ثمانين ألف نازح إسرائيلى، العودة إلى ديارهم داخل التجمعات السكنية والمستوطنات المنتشرة بالجليل الأعلى؛ حيث أكد وزير الدفاع الإسرائيلى أن الوضع فى الشمال سيتغير، سواء بتسوية أو بعملية عسكرية حاسمة، حتى يتم إعادة النازحين إلى منازلهم.

أمنيا، لم يعد سرا، أو من قبيل المبالغة، القول إن عملية طوفان الأقصى، ورغم كلفتها البشرية والمادية الباهظة، قد وجهت ضربة موجعة لاستراتيجية الردع الإسرائيلية. الأمر الذى نال من ثقة الإسرائيليين فى منظومتهم الأمنية، وقدرتها على استبقاء بلادهم ملاذا آمنا ومنيعا لليهود القادمين من شتى أصقاع البسيطة. كذلك، اضطر إسرائيليون كثر إلى الهجرة المعاكسة، مع فقدانهم حلم البقاء فى ما يسمونها «أرض الميعاد»؛ حيث هجر أكثر من 400 ألف إسرائيلى وطنهم الموعود، ففى حين عاد حاملوا جوازات السفر الأمريكية والأوروبية إلى وجهاتهم البديلة، لاذ آخرون بالفرار، عبر تأشيرات سياحية، إلى تايلاند، قبرص وغيرهما.

على صعيد متصل، تعاظمت التوترات والصدامات بين ممثلى مدن وتجمعات الشمال والحكومة الإسرائيلية، التى كالوا الاتهامات لها بالتخلى عنهم والتقاعس عن حمايتهم، فى ظل عجزها عن إيجاد حل جذرى ينجيهم من خطر صواريخ حزب الله. بدورهم، هدد رؤساء تجمعات وبلديات الشمال  بالتصعيد غير المسبوق ضد حكومة، نتنياهو، عبر إعلان الانفصال، وتشكيل ما يسمونه «دولة الجليل». ففى تهديد صريح على شاشة القناة 13، لوح رئيس المجلس الإقليمى للجليل الأعلى بشمال إسرائيل بالانفصال، معربا عن شعوره بالإحباط، جراء تقاعس الحكومة فى اتخاذ ما يلزم من تدابير لحماية مواطنيها فى الشمال؛ تاركة إياهم يصارعون المجهول بأنفسهم.

وفى مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلى، أكد رئيس المجلس الإقليمى، أن رؤساء مجالس الشمال ليسوا هم من قرروا الانفصال، لكن الحكومة هى، التى انفصلت عنهم منذ اندلاع الحرب الحالية قبل ثمانية أشهر. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسئولين محليين شماليين دعوتهم إلى التمرد على الحكومة، والتصرف بصورة مستقلة، دون تبعية للدولة. وبينما تتحمل الحكومة نفقات إقامة عشرات آلاف النازحين فى الفنادق، يعتزم النازحون الآخرون الذين حرموا من تلك المزايا، رفع دعاوى قضائية للحصول على تعويضات مناسبة.

فى غضون ذلك، تنوء تكاليف إعادة ترميم وبناء المنازل والمنشآت، التى تضررت من ضربات المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، بكاهل حكومة، نتنياهو. فى وقت يغدو الاقتصاد الإسرائيلى، قاب قوسين أو أدنى، من الانهيار.

يكابد المستوطنون الإسرائيليون النازحون من شمالى الأراضى الفلسطينية المحتلة، موجات من الإرهاق، العنف والتكدس، جراء نزوحهم إلى فنادق الإيواء، هربًا من صواريخ المقاومة فى لبنان. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» نقلا عن وزارة الرعاية الاجتماعية الإسرائيلية، أن نحو ٤٠٪ من الفنادق، التى تأوى نازحى الشمال، تعانى التكدس بواقع ١٥٠ شخصا للفندق الواحد. وأوضح التقرير أن ٤٥٪ من فنادق الإيواء تشهد شجارات، تبلغ فى بعض الأحيان مستوى الاشتباك بالأيدى وتخريب المنشآت، نتيجة تدنى مستوى الخدمات وانعدام الخصوصية لعائلات النازحين. كما أفاد بافتقاد ٣٠% من الفنادق، للأجواء والخدمات المناسبة، الأمر الذى يغذى المشاحنات بين النازحين. وحذر التقرير من مخاطر عدم تحديد جدول زمنى واضح، لعودة مستوطنى الشمال والجنوب إلى ديارهم، ووضع نهاية لنزيف النزوح المزعج.

التعليقات