«درهم وقاية خير من قنطار علاج» رغم المبالغة الواضحة فى المثل إلا أنها مبالغة مقبولة فى محل الدعوة للعمل بوسائل الوقاية التى تقى الإنسان من شر المرض. الوقاية أحد علوم الطب القديم التى استمرت لتؤكد أهمية أن يتدارس الإنسان أسباب المرض وتداعياته المختلفة التى يمكن أن تهيئ له وعيا صحيا يمكنه من تفادى تبعات المرض وتكلفة علاجه الأمر الذى ينسحب أيضا على دور الدولة فى التوعية وتوفير وسائل التشخيص قبل أن يتطرق دورها إلى توفير التأمين الصحى لمواطنيها وأعبائه الاقتصادية باهظة التكلفة.
الرئيس عبدالفتاح السيسى هو أول رئيس تشهده البلاد مهتم بأحوال المواطن الصحية بصورة مباشرة: هو يعطى المثل بتلك الصورة الرياضية التى يجب أن يراه الناس عليها. واسع الخطوة سريع الإيقاع حينما يرى مترجلا أو فى جولة صباحية مبكرة على الدراجة. توجيهاته الأخيرة لوزارة الصحة للاهتمام بأصحاب الأمراض المزمنة غير المعدية كارتفاع ضغط الدم والسكر فى ظل جائحة كوفيد ــ ١٩ التى داهمتنا والتى يشير العلم إلى أن أثرها على أصحاب تلك الأمراض أبلغ أثرا بلاشك سلوك محمود وحركته إلى الأمام فى الاتجاه الصحيح، ولكن لنا بعض الملاحظات على الطريقة التى يتم بها تنفيذ المشروعات والتى تبدو كأنها مشروعات وقتية الغرض منها قصير المدى بينما الواقع أنها يجب أن تكون مشروعات صحية طويلة الأمد الغرض منها تأصيل مبدأ وفكرة الوقاية التى لها برامجها العلمية التى تؤسس على احتياج كل مجتمع وخريطته الصحية.
التأصيل لمبدأ الوقاية من المرض هو حجر الزاوية الآن فى مشروع قومى يجب أن يدرس جيدا قبل أن يبدأ تطبيقه بصورة شاملة متكاملة مترابطة المفردات. الوقاية من الأمراض المعدية والأمراض غير المعدية، أمراض الأطفال وأمراض الكبار. الأمراض المرتبطة ببيئات جغرافية كلها موضوعات يجب أن يعاد النظر فى طبيعة وجودها ووسائل الوقاية منها فى ضوء الظروف الجديدة التى فرضها فيروس كورونا بقوة قاهرة على العالم كله ومنه بالطبع بلادنا.
أرى أن تقف حدود تلك الحملات عند التشخيص وهو ليس بالأمر الهين ولا البسيط إنما هو حجر الزاوية فى علاج الأمراض بلا استثناء.
السكر من النوع الثانى وارتفاع صغط الدم من الأمراض المزمنة التى يطول علاجها وتستلزم الانتباه إلى نمط حياة الإنسان وعاداته الغذائية لذا لا يمكن على الإطلاق تشخيصها من المرة الأولى وعلاجها دون أبحاث تالية مستمرة.
تشخيص مرض السكر من النوع الثانى لا يتم بناء على تحليل عينة دم عشوائية بل يرتكر على عوامل متعددة: التاريخ العائلى ووجود أكثر من عامل خطورة وأعراض مصاحبة إلى جانب عدد من التحاليل الأخرى لنسبة السكر ومسلكه فى منظومة التمثيل الغذائى وقدرته على التركيز فى الدم أو فى الخلايا إلى جانب وظائف الكلى والكبد ووجود أى ظواهر مرضية مصاحبة، لذا فمن الطبيعى أن تتولى تلك الحملات تشخيص مرض السكر بصورة علمية سليمة كاملة ثم تحيله إلى مراكز وزارة الصحة التخصصية.
أما مشكلة ارتفاع الضغط فالظاهر منها قمة جبل الجليد وما خفى دائما كان أعظم. ارتفاع ضغط الدم بصورة مزمنة يطال بلا استثناء كل أعضاء الجسم خاصة الهامة كمنها كالقلب والمخ. تشخيصه يحتاج إلى العديد من تحليلات الدم أما علاجه فهو الأمر الذى يجب أن يدرس بعناية وفهم لذا فإن علاجه بتلك الطريقة التى يعلن عنها يعد خطرا داهما على الإنسان.
ما أردت التنبيه إليه أن العلاج لا يمكن أن يتم بالحملات. وأن تلك الحملات بالفعل مهمة ومفيدة إذا ما أعلن أنها للتوعية بخطورة المرض وسبل الوقاية منه وتشخيصه فى حدود متاحة وأن على المرضى أن يتوجهوا بعد ذلك للمراكز المتخصصة لتأكيد التشخيص وبداية العلاج. يجب أن تعاد صياغة تلك الحملات للتأكيد على أنها حملات للتوعية لوسائل الوقاية من الأمراض وكيفية مقاومتها وتفادى تبعاتها قبل الإصابة بها وعلاجها فهذا فى الواقع هو الأهم الذى يليه المهم الأمر الذى يحتم علينا قراءة جدديدة لكتاب قديم.