تصريحات «الصحة» وصحة التصريحات - أشرف البربرى - بوابة الشروق
الأحد 8 سبتمبر 2024 3:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تصريحات «الصحة» وصحة التصريحات

نشر فى : الأربعاء 24 يوليه 2024 - 7:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 24 يوليه 2024 - 7:55 م

بات التناقض صارخًا بين تصريحات المسئولين عن ملف الصحة فى مصر والسياسات والممارسات الرسمية على أرض الواقع، بعد أن وصل شعار «الدفع مقابل الخدمة» إلى الوحدات الصحية التى تقدم الرعاية الصحية الأساسية للفئات الأشد احتياجا فى القرى والمدن، وهى الفئات التى لا تتوقف الحكومة من الحديث عن اهتمامها الشديد بها. فبعد أن كانت هذه الوحدات تقدم خدماتها الصحية للمواطنين بالمجان، وأحيانا كانت الدولة تلزم المواطنين بالاستفادة من هذه الخدمات مثل تحليل البلهارسيا والحصول على العلاج اللازم له والتطعيمات المختلفة، أصبحت خدمات هذه الوحدات الصحية والمراكز الطبية مقابل أجر حتى لو كان بسيطًا، وهو ما ينطوى على خطورة كبيرة على مستقبل صحة المصريين وبخاصة الفقراء ومتوسطو الحال، منهم الذين قد يجدون صعوبة شديدة فى تحمُّل هذه التكلفة التى قد يقول المسئولون إنها بسيطة ولا تغطى التكلفة الفعلية وهو كلام غير مقبول. فالوحدات تقدم حقنة التطعيم ضد التيتانوس التى تحتاجها السيدات الحوامل فى المناطق الريفية والشعبية والعشوائية تجنبًا لإصابتهن بالعدوى عند الولادة فى أماكن غير صحية مقابل 240 جنيها، بعد أن كانت النساء يحصلن عليها بالمجان كما يجب أن يكون. ويعنى هذا أن السيدة الحامل تحتاج إلى حوالى 500 جنيه للحصول على حقنتين لتجنب العدوى والمرض، وهو مبلغ كبير بالنسبة للكثير من الأسر الفقيرة التى ستفضل فى أغلب الأحوال تجاهل الحصول عليها والمخاطر بالإصابة بالمرض، بما يهدد بمشاكل صحية خطيرة لقطاع كبير من فقراء هذا الوطن. وبعد أن كانت الوحدات الصحية تقدم خدمة تحليل البول مجانا للمواطنين من أجل تسهيل الكشف المبكر عن الكثير من الأمراض التى تصيب بشكل أساسى الفئات الفقيرة مثل البلهارسيا والدوسنتاريا، أصبح ثمن التحليل الآن 25 جنيها تقريبا وهو ما يعنى احتمال تخلى غير القادرين على دفع هذا المبلغ عن هذه التحاليل المطلوبة بشدة بخاصة للأطفال وصغار السن لضمان الكشف المبكر عن إصابتهم بالبلهارسيا وتفادى آثارها الصحية الخطيرة عليهم. كما أن المواطن الذى يلجأ إلى الوحدة الصحية طلبا لخلع ضرسه الذى أصابه التسوس بدلا من علاجه لأنه لا يملك العلاج أصبح مضطرا لدفع 50 جنيها مقابل خلع الضرس، وهو رقم ما زال كبيرا فى دولة يعيش نحو ثلث عدد سكانها تحت خط الفقر. 

وحتى عندما يستسلم المواطنون للأمر الواقع ويقررون دفع ثمن الخدمة التى تقدمها الوحدات الصحية، يواجهون نقص الأدوية والمستلزمات فى هذه الوحدات. وكما عرفت بشكل شخصى فإن نقص أمبولات التخدير فى أقسام الأسنان فى الوحدات الصحية والمستشفيات الحكومية جعلتها عاجزة عن تقديم الخدمة للمرضى الذين يعرضون أحيانا استعدادهم لشراء هذه الأمبولات من الخارج لكن القواعد واللوائح تمنع ذلك. ما يحدث فى قطاع الصحة فى مصر يؤكد بصورة تدعو للألم أن المواطنين والبسطاء منهم بشكل خاص يعيشون فى وادٍ سحيق وبعض المسئولين عن قطاع الصحة يتحدثون عن سياسات وإنجازات وخدمات لا وجود لها على أرض الواقع. فإذا كانت الحكومة جادة فيما تقوله عن إيمانها بضرورة الاهتمام بصحة المصريين وهو الاهتمام الذى دفعها إلى استحداث منصب نائب رئيس الوزراء للتنمية البشرية فعليها إعادة النظر فى الرسوم المفروضة على خدمات الوحدات الصحية والمراكز الطبية، والعمل على توفير ما تحتاجه هذه الوحدات من مستلزمات وأدوية أساسية، بدلا من التركيز على تطوير واجهات مبانى هذه الوحدات ولافتاتها البراقة.

التعليقات