رسالتان فى المنطقة وصلتا إلى دمشق بوضوح، وقدر من التدبر بهما وربطهما بالمقابلة التليفزيونية التى ظهر فيها الرئيس السورى «المنهارة شرعيته» بشار الأسد عبر تليفزيونه الرسمى تكفى لقدر من فهم قدرات النظام السورى على المناورة لإطالة أمد الأزمة لعل سلاح الوقت يكون فى صالحه ويمنحه القدرة على تنفيذ إصلاحات شكلية تبقيه فى موقعه ولا تصل به لذات النهايات التى بلغها حكام أقطار الربيع العربى.
الرسالة الأولى جاءت من القاهرة فى اللحظة التى أسقط فيها الشاب المصرى «الشحات» العلم الإسرائيلى من أعلى السفارة، واضطر النظام المصرى «المؤقت» المهادن بطبعه لاتخاذ إجراءات تتجاوب نوعا ما مع التيار الشعبى الجارف الذى وجه غضبه باتجاه إسرائيل، بما أثار مخاوف متعددة لدى تل أبيب وواشنطن، من الشارع المصرى واتجاهاته المعادية لسياسات العاصمتين.
ما قيمة هذه الرسالة؟ قيمتها أن بشار يدرك تماما كما يدرك الإسرائيليون، أنه كان رغم خطابه الحروبى الزاعق عن المقاومة والممانعة عامل أمن لإسرائيل هو ونظام أبيه من قبله، فلم يتورطا طوال 40 عاما فى أى تهديد مباشر للدولة العبرية، ولم يحاولا الرد على أى تهديد أو خرق إسرائيلى للأجواء السورية، ولم يفكرا حتى فى إنتاج حركة مقاومة حقيقة فى الجولان تستهدف تحريره عسكريا، واكتفى بتحالف مع إيران وحزب الله، لم يكن يخيف تل أبيب من الناحية السورية لإدراكها أن قرارات هذا التحالف ليست فى دمشق، وأن المسألة معادلة إيرانية إسرائيلية صرفة.
يلعب الأسد الآن على فكرة تخويف الغرب من سقوطه، وإسرائيل تحديدا، فكما فقدت تل أبيب كنزا إستراتيجيا معلنا هو نظام مبارك، ربما تفقد الكنز «المتستر بالشعارات» فى دمشق، وتصبح إسرائيل بين شارعين غاضبين وعصيين على الاحتواء فى الجنوب والشمال، لتدخل مواجهاتها لأول مرة مع شعوب عربية تقرر وتريد وتحكم.
يحاول الأسد أن يبيع إصلاحاته الجزئية «لجنة أحزاب وانتخابات برلمانية» فى هذا الإطار لكنه يفشل حتى فى بيع الخوف والوهم ليضمن تقليل الضغط الدولى بالشكل الذى يحبط الشارع الثائر، ويمنحه فرصة جديدة للبقاء.
الرسالة الثانية هى سقوط طرابلس ونهاية زمن القذافى، وقطعا الفارق كبير بين الحالتين فقد زادت ليبيا على سوريا بمعارضة مسلحة ومساندة عسكرية غربية، والأسد ربما يتمنى أن تطور المعارضة لديه أسلوبها وتبدأ فى العمل المسلح، فذلك على الأقل سيعطيه مبررات قوية لمواصلة بطشه وتحويل المسالة إلى حرب واضحة، بدلا من أعماله العسكرية حاليا ضد «عصابات مسلحة» وهمية ولا وجود لها إلا فى خطابه.
يتمنى الأسد أن يرفع السوريون فى وجهه السلاح، وأن يتخلوا عن النهج السلمى لثورتهم الشعبية الذى سبب له إحراجا دوليا بالغا اقترب به من باب «الجنائية الدولية»، ويتمنى كذلك تدخلا عسكريا دوليا على الأقل سيمكنه ذلك من إشعال المنطقة، والظهور بمظهر المقاوم للاحتلال، وربما اختيار نهاية «تبدو أفضل من نهايات مبارك والقذافى وقبلهما بن على».
لم يبق عند بشار سوى هاتين الرسالتين، اللتين ترجمهما على الأرجح فى سيناريوهين يعتقد أن لا ثالث لهما، لكن المؤكد أن الشعب السورى لديه سيناريو الحسم.. أنتم اللاحقون يا بشار..!