لا يستطيع الإنسان بأى حال أن ينفصل عن تلك الأحزان التى تلقى ظلا داكنا ثقيلا على خريطة الوطن بأكملها. من يجرؤ على الابتسام فى تلك الأيام الممرورة وهل هناك سبب واحد يدعو لأن تنفرج الشفاه إلا عن دعاء بالرحمة لكل من لقوا مصيرا غاشما وآخر طلبا لعفو قد لا يأتى جزاء ما فعلنا بأنفسنا؟
الحزن طاقة هائلة: إما نبيلة تغسل الأدران وتفيض على النفس بالهدوء والسكينة والصبر الجميل أو مدمرة تشعل النار وتضرم الحقد والكراهية والرغبة فى الانتقام. أيهما نختار ليس هو السؤال فالعاقل لا يختار سكة الندامة.
إنما السؤال كيف نجعل من أحزاننا أحزانا نبيلة إيجابية وإن سكتنا؟ كيف يمكن أن نتخلص من إسارها بأن نحولها إلى طاقة للعمل والعطاء والفهم والاستيعاب بدلا من أن تظل كفرع الشوك ينسحب فى الشرايين ليدميها. كيف ممكن أن نرفض بقوة أن تصبح الأحزان أمرا عاديا وحدثا يوميا كتلك الأيام التى أطلق عليها محمود درويش شاعر فلسطين «يوميات الحزن العادى».
بالعقل والعلم أحدثكم اليوم وإن كان للعاطفة أيضا دور لا أنتوى إنكاره. صادف أن انتهيت هذا الأسبوع من مطالعة نتائج دراسة كندية موسعة تمت بتعاون علمى بين جامعة برتسن كولومبيا وجامعة هارفارد الأمريكية.
الدراسة نفسية طبية مفتاحها: كيف يتخلص الإنسان من أحزانه بصورة إيجابية؟ الدراسة نشرت فى 20 أغسطس الحالى فى دورية علمية للأبحاث النفسية
Jnternational Journal of Happiness and Development
نتائج الدراسة تشير إلى أن أصفى ألوان السعادة هى تلك التى تبدد أعتى أنواع الحزن تتحقق بالعطاء والمشاركة. تمنيت لو اتسعت لدى المساحة لأنقل لكم شهادات إنسانية بليغة تضمنت الدراسة بعضا منها للدلالة على عمق الحزن النبيل الذى يدفع الإنسان للتخلص من مرارته بمشاركة الآخرين أفراحهم وطموحاتهم بل وصعاب حياتهم. تشير الدراسة أيضا إلى أن ما يشعر الإنسان بسعادة خالصة هو عطاؤه لإنسان آخر يعرفه ويرى أثر عطائه فى حياته لأن عطاءه فى تلك الأحوال لا يقتصر على التبرع بمال للإنفاق فى أوجه الخير رغم احترام المبدأ.
لنا فى تلك الأيام أن نبتلع المرارة وأن ندافع عن أحزاننا النبيلة ولا نسمح على الإطلاق بتلويثها لتسرى سما فى عروقنا. علينا أن نحولها لطاقة إيجابية وألا نتعودها فتصبح كما وصفها يوما كأبلغ ما يكون الوصف صلاح جاهين:
يا حزين يا قمقم تحت بحر الضياع
حزين أنا زيك وايه مستطاع
الحزن ما بقالهوش جلال يا جدع
الحزن زى البرد زى الصداع!