نشر موقع Eــ international relations تقريرا للكاتبان «Erla Thrandardottir» و
Vincent Charles Keating» يتناولان فيه أزمة الثقة فى المنظمات غير الحكومية الناتجة عن التجاوزات والانتهاكات التى ترتكبها هذه المنظمات وهو ما يجعلها تفقد مصداقيتها وتؤثر بشكل سلبى على مستقبلها.
لقد واجهت المنظمات غير الحكومية سلسلة من التجاوزات والانتهاكات البارزة فى السنوات القليلة الماضية والتى دفعت الحكومات والهيئات التنظيمية والجهات المانحة إلى التساؤل عن كيفية إعادة بناء الثقة فى هذه المنظمات. وقد أدت هذه التجاوزات إلى فقدان تلك المنظمات للثقة العامة فيها. وشملت هذه التجاوزات على سبيل المثال لا الحصر الاستخدام السلبى لأموال التبرعات، والسلوك الأخلاقى غير الملائم للموظفين واستخدام أساليب الضغط على كبار السن والضعفاء عند جمع التبرعات وهذا ما تقوم به عدة مؤسسات خيرية. وقد جاء رد الفعل على كل هذه التجاوزات متمثلا فى دعوة المنظمات غير الحكومية إلى إصلاح نفسها لاستعادة ثقة الجمهور. وقد ركزت العديد من هذه الدعوات على قضايا المساءلة والشفافية ــ وهى أنه إذا أصبحت المنظمات غير الحكومية أكثر شفافية، فسوف تتجدد ثقة الأفراد بها. وقامت بالفعل بعض المنظمات غير الحكومية باتخاذ العديد من التدابير لإصلاح نفسها، ويمكننا القول أن بعض المنظمات أجبرت على القيام بذلك.
***
إن قضية الثقة مهمة بشكل خاص واستثنائى للمنظمات غير الحكومية وخاصة ثقة الجهات المانحة. حيث أن المنظمات غير الحكومية تتنافس فيما بينها للحصول على أموال المانحين ومن ثم فإنه عندما تكون المنظمة غير جديرة بالثقة يمكن أن يكون ذلك «قاتلا» للمنظمات غير الحكومية حيث أن ذلك سيقود المانحين إلى تحويل مواردهم إلى جمعيات خيرية أخرى، أو التوقف كليا عن التعامل والتفاعل مع المنظمات غير الحكومية. وعلى الرغم من الاتفاق على أهمية قضية الثقة بالنسبة للمنظمات غير الحكومية إلا أنه ليس واضحا كيف يمكن لهذه لمنظمات غير الحكومية أن تكون قادرة على استعادة الثقة، لا سيما فى أعقاب الإعلان عن التجاوزات العامة.
وفى استجابة لهذه المخاوف بشأن فقدان الثقة فى المنظمات غير الحكومية أعلنت المفوضية المسئولة عن الجمعيات الخيرية أن هناك رغبة عامة معلنة فى تحقيق مزيد من الثقة والالتزام بالأصالة والقيم الأخلاقية وليس فقط المزيد من الشفافية. إن هذا التحول فى المواقف يطرح تساؤلا مهمها ألا وهو: لماذا لا يلتزم المنظم بالتركيز فقط على تدابير المساءلة؟ لماذا يمكن أن تكون الأصالة والقيم ــ بدلا من فرض المزيد من القواعد التى تضمن الشفافية ــ مهمة فى استراتيجية المنظمات غير الحكومية لإعادة بناء الثقة مع المانحين والجمهور على نطاق أوسع؟
ويضيف التقرير أن أطر المساءلة المقترحة تاريخيا كحل لفقدان ثقة الجمهور فى المنظمات غير الحكومية تعتمد كثيرا على افتراضات الثقة العقلانية مع إهمال التركيز على مصادر الثقة الاجتماعية. ولكن التقرير الأخير الذى أصدرته مفوضية الجمعيات الخيرية هو علامة على أن النقاش حول إجراءات إعادة بناء الثقة يتحول إلى تضمين العوامل الاجتماعية مثل الاهتمام بالأصالة والقيم ــ إلى جانب معايير الشفافية ــ التى يمكن أن تؤثر على الثقة. ومن ثم فإن هذا التحول يعد خطوة أولى إيجابية فى إدراك أهمية كيف يمكن للجهات التنظيمية أن تؤكد على أن العوامل الاجتماعية مهمة للغاية بالنسبة للمنظمات غير الحكومية فى طريقها لاستعادة الثقة بها.
ويضيف التقرير أنه من المهم معرفة أنه بالإضافة إلى التنظيم المحلى تعتمد تدابير مساءلة المنظمات غير الحكومية بشكل كبير على الأطر التنظيمية الذاتية والتى تستند بشكل أساسى إلى المصالح الذاتية والقواعد المشتركة، وتشجع أطر المساءلة عموما المنظمات غير الحكومية على الإبلاغ عن أنشطتها وإتاحة المعلومات للجهات المانحة عن كيفية استخدام أموالها بالضبط وكثيرا ما يتم وضع أشكال بسيطة من العقاب فى حال عدم قدرة المنظمة على الوفاء بالتوقعات المطلوبة.
***
يضيف التقرير أن هذا المزيج من آليات الشفافية والعقاب يستند إلى نموذج عقلانى ضمنى للثقة، حيث يتم بناء الثقة من خلال إتاحة معلومات حول المنظمة وأنشطتها وكلما زادت المعلومات المتاحة عن المنظمة زادت فرصة الجمهور فى الحكم على ما إذا كان هذه المنظمة غير حكومية جديرة بالثقة أم لا. كما أن إمكانية العقاب مهمة أيضا لأن الجمهور سيكون على دراية بالأخطاء، وهذا من شأنه أن يثنى المنظمات غير الحكومية عن العمل بطريقة غير أخلاقية مما يزيد من الثقة فى المنظمة.
بالنظر إلى إطار المساءلة المؤسسى هذا فلماذا تريد مفوضية الجمعيات الخيرية التركيز على أفكار الأصالة والاهتمام بالجوانب القيمية؟ من الممكن أن يرجع ذلك إلى أن نماذج الثقة العقلانية تفسر فقط جزءا من القصة حول السبب فى اعتبار المنظمات غير الحكومية جديرة بالثقة أم لا. ومن ثم فإن العنصر المفقود هو التأثيرات الاجتماعية للثقة والتى يشير إليها التركيز الجديد على الأصالة والجوانب القيمية.
تبدأ النماذج الاجتماعية للثقة بافتراض أن الثقة ليست مجرد رهان منطقى حول سلوك الآخرين فى المستقبل. على الرغم من أن هذا هو بالتأكيد خط الأساس ــ فإن أى مؤسسة خيرية كانت على الدوام تنطوى على تجاوزات تجعلها لا يمكن اعتبارها جديرة بالثقة ــ فالنماذج العقلانية تتجاهل الطريقة التى يمكن أن تساعد بها الهوية الاجتماعية فى بناء الثقة حتى فى غياب ما يمكن اعتباره معلومات «كافية». وبعبارة أخرى، يمكن أن تؤثر الظروف والعلاقات الاجتماعية بشكل مباشر على إدراكنا لمدى مصداقية الجهات الفاعلة الأخرى، وهذا التأثير هو عامل مهم فى استعادة ثقة الجمهور بالمنظمات غير الحكومية.
***
ويضيف التقرير أن هناك بعض الدراسات التى تشير إلى أن هناك العديد من العوامل التى تسمح ببناء الثقة بشكل أسرع ــ حتى وبدون توفير نفس المستوى من المعلومات التى قد تكون هناك حاجة إليها ــ وتشمل هذه العوامل على سبيل المثال الهوية المشتركة والتضامن والقيم المشتركة وعضوية المجموعة والشعور بالعمل لتحقيق أهداف مشتركة ومن الجدير بالذكر أن معظم المانحين الذين يقدمون دعما للمنظمات غير الحكومية يفعلون ذلك لأنهم يتعرفون على أهداف المنظمة غير الحكومية ويشعرون بالارتباط ببعض القضايا والاهتمام بها فعلى سبيل المثال هناك من يقدم دعما لمنظمة غير حكومية من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية أو الترويج لقيم دينية معينة.. إلخ.
يصبح هذا أمرا مهما لبناء الثقة لأنه يخلق حسا من الانتماء للمنظمة. ومن ثم يمكن للمنظمات غير الحكومية الاستفادة من مصادر الثقة الاجتماعية هذه لمساعدتها فى التغلب على التجاوزات وما تخلقه من تأثير سلبى على مستقبلها..
وختاما يضيف التقرير أنه على الرغم من أن الاهتمام بالجوانب الاجتماعية والأصالة والجوانب القيمية مهم فى تمكين المنظمات غير الحكومية فى استعادة ثقة الجمهور بها، إلا أن تدابير المساءلة والعقاب مهمة أيضا فى هذا الإطار، كما أنه على هذه المنظمات أن تتوقف عن هذه التجاوزات التى تؤثر على سمعتها ومستقبلها.
إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى
النص الأصلى