نحو كتلة عربية جديدة بمبادرة مصرية - محمد عبدالشفيع عيسى - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 2:52 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نحو كتلة عربية جديدة بمبادرة مصرية

نشر فى : الأحد 24 سبتمبر 2017 - 9:45 م | آخر تحديث : الأحد 24 سبتمبر 2017 - 9:45 م
فى هذا المقال دعوة إلى تكوين كتلة عربية جديدة للخروج من النفق العربى المظلم فى المرحلة الراهنة، سعيا إلى أخذ قدر – و لو كان يسيرا ــ من زمام المبادرة فيما يتصل بالقضايا العربية الكبرى. ونرجو أن يتم ذلك مقابل التزاحم الإقليمى والدولى الحالى على محاولة تشكيل الخارطة العربية دونما اعتداد حقيقى – فى غالب الأحيان ــ بمصالح ورؤى أصحاب الشأن من العرب وإخوتهم فى الوطن، حيثما وجدوا، فى المقام الأول.
فما هى مكونات الكتلة العربية المفترضة.. وكيف يكون نمط العلاقة داخلها؟ 
وما منهجها فى العمل؟ 
فأما مكوناتها فإنها تثير الحيرة حقا فى ضوء تحولات الواقع العربى فى هذه المرحلة الانتقالية الراهنة ذات السيولة الفائقة. ولأسباب ظرفية، ليس غير، يجدر الاستبعاد المؤقت لكل من سوريا وليبيا من حساب البناء الكتلوى الساعى إلى بناء صيغة إيجابية للتوازن الخلاق فى ميدان المنطقة العربية. ولأسباب عملية بحتة، يجوز استبعاد الدول الأعضاء فى مجلس التعاون الخليجى نظرا لكونها (جزءا من المشكلة) ويصعب أن تكون (جزءا من الحل) راهنا، وخاصة فى ضوء تفاعلات وتداعيات التنازع السعودى – الإيرانى. 
ومع استبعاد بلدان عربية أخرى عديدة، لأسباب مختلفة، ربما تتبقى الجزائر والمغرب، من ناحية أولى، والعراق من ناحية أخرى.
ولما كانت المغرب، فيما يبدو، تعمد فى عديد الأحيان إلى النأى بنفسها عن المعمعان الإقليمى والعربى، فإنه تبقى الجزائر والعراق. يعيب اختيار هاتين الدولتين أن الجزائر تعيش حالة من الاستقطاب السياسى فى مواجهة المغرب، وأن العراق يعانى من اضطراب التشكيل السياسى الداخلى والعلاقة الملتبسة مع إيران. 
ولكن لعل اندراج الجزائر والعراق فى كتلة عربية إلى جانب مصر يمثل الخيار الأقل ضررا فى سياق الوضع الراهن؛ أضف إلى ذلك أنه خيار أكثر احتمالا من زاوية الممكن فى الواقع المعاش مقابل خيارات أخرى تم طرحها فكريا أو عمليا فى مراحل سابقة، مثل (المثلث المصرى الليبى السورى) و (المثلث المصرى السودانى الليبى) ولم تعد ذات جدوى فى اللحظة الحاضرة. 
***
أما عن نمط العلاقة داخل الكتلة العربية الجديدة، فيجب أن يكون أبعد ما يكون عن (الطابع الكتلوى) التقليدى، رغم ما فى هذا التعبير من تعقيد. فلا ينبغى أن تتعامل مصر مثلا وكأنها تنحاز إلى الجزائر ضد المغرب، أو تنحاز إلى العراق فى مواجهة أطراف أخرى على الجوار.
وإنما هى علاقة متوازنة، جامعة بين أدوات التفاعل الاقتصادى الخلاق، والعمل الثقافى (الناعم) باقتدار. 
يرتبط بذلك أن نهج العمل العربى المنتظر ليس بذاك النهج المسمى فى اللغة الجارية (سياسة المحاور) فليست الكتلة الجديدة بمثابة محور فى مواجهة محور أو تجمع آخر. وعلى سبيل التحديد، فليست الكتلة العربية الدينامية الجديدة داخلة فى مقارنة أمام دول مجلس التعاون الخليجى عامة، أو (السعودية – الإمارات) خاصة و(السعودية) بصفة أخص. 
وليس الغرض من تكوين الكتلة العربية الجديدة مرتبطا بتحقيق أهداف سياسية لطرف ما أو مجموعة بعينها، وإنما يرتبط بتحقيق مهمتين أساسيتين:
المهمة الأولى، إعادة صياغة التحالفات الإقليمية فى (المنطقة العربية – الإسلامية المركزية) أو ما يسمى فى الإعلام الغربى بالشرق الأوسط، أو «الشرق الأوسط الكبير» ــ مع استبعاد إسرائيل. ونقصد بذلك رسم معالم علاقات بناءة ذات طابع متوازن وخلاّق، مع (الجمهورية الإسلامية فى إيران) ذات العمق الحضارى والإرث المشترك مع الوطن العربى، وعلاقات مشابهة مع تركيا، الساعية إلى أداء دور إقليمى واسع النطاق، وربما أكبر من طاقة النظام السياسى القائم، على جبهات عدة من (الجهات الأصلية الأربعة). 
أما المهمة الثانية للكتلة العربية الجديدة فهى التعاضد الوثيق مع الدول أعضاء «مجلس التعاون الخليجى» بالذات، من أجل السعى إلى تحقيق التوازن العام مع فرقاء التحالفات الجديدة فى تركيا وإيران؛ وفى المقابل: السعى إلى إحداث التكافؤ العسكرى التسليحى فى مواجهة إسرائيل بالذات، كخطوة لا بد منها على طريق استعادة الحق الفلسطينى.
***
يبقى أمامنا التأكيد على أهمية أن يحدث تحول جذرى داخل الدول الثلاثة ــ مصر والجزائر والعراق ــ بما يؤهلها لأداء دورها التاريخى المنتظر بجعل الجماعة العربية «رقما صعبا» لا يمكن تجاهله من جانب القوى الإقليمية النافذة (تركيا وإيران) ومن جانب إسرائيل، ومن لدن القوى العالمية، سواء منها القريبة نسبيا ــ بالمعيار الجيوسياسى ــ خاصة روسيا، والقوى البعيدة، مع اختلاف المشارب والمصالح: من الصين شرقا، إلى أوروبا وأمريكا غربا.
التحول الداخلى فى دول الكتلة المثلثة (مصر والجزائر والعراق) يجب أن يسعى بمصر ــ تحديدا ــ إلى أن تكون نموذجا للدولة الساعية بحق إلى التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية والعمل الديمقراطى الجذرى المتدرج. وأما المسعى الجزائرى فينبغى أن يعمل على تحويل الجزائر من محض بلد نفطى إلى بلد صاحب اقتصاد متنوع ومتطور، بالإضافة إلى التوجه المتناغم مع المغرب صوب رأب الصرع غير المبرر بينهما. 
والحال مع العراق مختلف، إذ يجب أن تتغير الحالة السياسية جذريا باتجاه التوازن المنسجم فى النسيج الاجتماعى، وتوازن العلاقة مع إيران بشكل خاص؛ والموضوعان مترابطان. 
هذا، ونعيد التأكيد أنه لا أمل فى مستقبل مشرق للدول العربية بدون الخروج من النفق المظلم الراهن، والبروز بوجه جديد يفرض وجودا حيا للعرب على الساحة العربية ذاتها، فلا ينبغى أن تكون (ملعبا) للقوى الخارجية، ولو كانوا شركاء التاريخ الحضارى، بطابعه العربى الإسلامى المؤتلف مع المسيحية الشرقية (إيران وتركيا ). ودع عنك التعامل بنوع خاص مع إسرائيل.
غير أنه يبدو أن شرطا مسبقا لفاعلية الكتلة العربية المنشودة يتمثل فى ردم الفجوة الفكرية والفسيولوجية الاجتماعية المتولدة عن اتساع «الفالق» السنّى – الشيعى فى العقد الأخير، على وقع تفاقم الصراع السياسى الناجم، فى جانب منه، عن تعاظم القوة الإيرانية، سياسيا وعسكريا بالذات، واستخدامها لمختلف أدوات القدرة بالمعنى الاستراتيجى، بما فى ذلك فائض القوة المتولد عن تزايد الوزن الديموغرافى والمجتمعى للشيعة العرب سواء فى البلدان ذات الأغلبية السنية (حالة السعودية)، أو ذات الغالبية الشيعية (البحرين) أو التى تمتلك الجماعة الشيعية نفوذا ما متفاوتا مختلف الألوان (سوريا ولبنان).
***
يرتبط بجسر الفجوة السنية ــ الشيعية إعادة رسم دور مؤسسة الأزهر فى مصر على أساس جديد. هذا الأساس الجديد ليس امتدادا لما يطلقون عليه «الوسطية» التى تنتهى إلى كونها مجرد محاولة «توفيقية» ــ ولا نقول «تلفيقية» ــ بين طرفين، وإنما ينبغى أن يكون تعميقا للتأليفية أو التركيبية الخلاقة التى تصنع قماشة مبتكرة من بنات أنسجة متباينة المشارب على طريق تجديد التراث العربى – الإسلامى. وينبغى أن يتم ذلك فى سياق السعى إلى استئناف التطور الحضارى. ويتفرع عنه ضرورة قيام «الأزهر» بدور حاسم فى (التقريب بين المذاهب الاسلامية) سيرا على نهج شيخ الأزهر الأسبق «محمود شلتوت». 
هذا، وإنه قد يبدو خيالا من الخيال، أن نصوغ دعوتنا هذه إلى كتلة عربية جديدة تعيد رسم لوحة التحالفات الإقليمية – مع تركيا وإيران ــ وتسعى إلى تحقيق التكافؤ العسكرى والتسليحى فى مواجهة إسرائيل، ثم تجعل من العرب «رقما صعبا» فى النظام العالمى. ولكن هل تنبع «السياسة العملية» إلا من «المثالية الفكرية»... بمعنى رسم نموذج ثقافى وعقائدى تقدمى حقا، يواكبه عمل نضالى ممتد عبر الزمان؟

 

محمد عبدالشفيع عيسى أستاذ باحث في اقتصاديات التنمية والعلاقات الدولية
التعليقات