سألتنى صديقة على مستوى عال من الثقافة سؤالا على استحياء إذا ما كان بإمكانى أن أعاونها فى الحصول على شهادة تفيد حصولها على لقاح كوفيدــ١٩، الأمر الذى بات مطلوبا للسماح بالسفر فى حرية دونما التقيد بإجراءات العزل الاحترازية فى الكثير من بلاد أوروبا وأمريكا؟ أعدت عليها السؤال: هل تطلبين مساعدتى لك فى الحصول على اللقاح بصورة استثنائية؟ فقد خطر ببالى أنها تخشى التعرض للزحام أو الانتظار أو تجد مشقة فى التعامل مع نظام الحجز المسبق، لكن الأمر لم يكن أيا من تلك الاحتمالات إنما كان العرض معاونتها فى الحصول على الشهادة التى تثبت تلقيها اللقاح دون أن تتلقاه! كان الطلب بالفعل غريبا وإن كان غير مستغرب فيما نعيشه من زمن تراجعت فيه حقائق كثيرة وعلا شأن الالتباس.
بداية جاء ردى نافيا بالقطع أن هناك من يستطيع الإقدام على هذا الفعل مهما علا شأنه أو ارتفع مركزه ومسئولياته فهو فعل ينافى أخلاقيات المهنة إلى جانب أن الإجراءات التى يتم اتباعها بحكمة لا يمكن النفاذ من ثغرات فيها.
انتهى الأمر ليبدأ بيننا نقاش طويل أعترف أنه زاد من حيرتى بشأن مستقبل العالم فى ظل أحداث ووقائع هذا اللغز الذى داهمنا وما زلنا نحاول فك أسراره فى ظل معلومات تتغير كل صباح عن ذلك الكيان الذى لا يرى بالعين المجردة، لكن قدراته تفوق الخيال وتتفوق إلى الآن على علم الإنسان الذى سافر بالأحياء إلى الفضاء وعاد بهم إلى الأرض.
الواقع أن فكرة التطعيم وصناعة اللقاحات قد نجحت فى تاريخ الإنسان فى السيطرة على أمراض خطيرة معدية معروفة مثل الجدرى وشلل الأطفال والدفيتريا والحصبة الألمانية وغيرها، الأمر الذى تلقاه العالم بارتياح وترحيب وتسليم فلماذا يتردد الآن فى تلقى لقاحات كوفيدــ١٩ ويعرض عنها البعض رافضين فكرة تلقيها؟
الغرض من إتاحة اللقاحات على اختلافها هو الوصول إلى المناعة الجماعية: ذلك التعبير الذى يدل على حالة يصبح فيها الجزء الأكبر من المجتمع محصنا ضد مرض من الأمراض معدٍ سريع الانتشار، فيصبح انتقال المرض من شخص لآخر من الأمور المستبعدة وبالتالى يصبح المجتمع بأسره مؤمنا ضد المرض وليس فقط أولئك الذين حظوا بالمناعة الطبية.
غير أن الوصول إلى مرحلة المناعة المجتمعية من خلال برامج التطعيم ضد كوفيدــ١٩ قد تبدو صعبة المنال فى بلادى لأسباب متعددة؛ بعضها عام كما فى كل بلاد العالم، بعضها خاص بمجتمعنا المصرى وثقافاته.
< هناك من لا يؤمن أساسا بجدوى التطعيم أو يتردد فى تناوله خوفا من احتمالات الإصابة بالمرض أو مضاعفات أخرى، الأمر الذى لن يتيح أن تسود مرحلة مناعة القطيع أو المناعة المجتمعية التى ننشدها والتى قد تفيد فى كسر تلك الحلقة المفرغة التى يدور فيها الفيروس لنشر العدوى.
< هناك أيضا التساؤلات التى لا توجد لها أجوبة حتى الآن فيما يتعلق بالحماية الحقيقية التى يمكن أن يوفرها اللقاح لمن يقدم على تناوله خاصة بعد الإعلان عن التحورات المستمرة التى يقدم عليها الفيروس دون توقف والتى يمكن أن تكون مقاومة للتطعيمات المتاحة، الأمر الذى بالفعل يبدو خطيرا.
< ما حدث منذ بداية إنتاج التطعيمات من توزيع غير عال أو متكافئ فى العالم بين بلدانه المختلفة بل وداخل البلد الواحد، فإذا حقق مجتمع ما من المجتمعات معدلات مرتفعة من التطعيم بينما تخلف مجتمع آخر فإن انتشار العدوى ما زال واردا بصورة أكبر مع اختلاط السكان بعضهم ببعض.
مهما بدا الأمر معقدا ملتبسا فالحقيقة الباقية التى لا يمكن تجاهلها أن المناعة الجماعية لن تتم إلا بتلقى أكبر عدد ممكن من البشر للتطعيم. تخلق اللقاحات مناعة دونما الحاجة إلى التسبب فى المرض بمضاعفاته الخطيرة وتيسر حماية حقيقية للسكان بما فى ذلك الذين يحظر عليهم تناوله مثل الأطفال أو من يعانون من أمراض مناعية، لذا فالسؤال الأهم الآن هل يحظى سكان قرى الريف ونجوع الصعيد بذات الاهتمام الذى يلقاه المواطن المصرى فى القاهرة والإسكندرية؟
سؤال استفهامى لا لبس فيه ولا التباس.