أريد هذا الرجل - جميل مطر - بوابة الشروق
الجمعة 29 نوفمبر 2024 6:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أريد هذا الرجل

نشر فى : الثلاثاء 24 نوفمبر 2020 - 9:05 م | آخر تحديث : الثلاثاء 24 نوفمبر 2020 - 9:05 م

وعدتنى أنك لن تنهرنى إذا تجاوزت فى الكلام، ولن تقاطعنى إذا تماديت فى طلب ما أريد، ولن تمنعنى إذا عبرت حدودا بدون استئذان، ولن تشمت أو تغضب إن عدت إليك بخدوش تنزف ودموع تسيل بعد يوم أو ليلة عراك مع أسوار شائكة. أذكر حرفا بعد حرف من فقرة بعد الأخرى فى كتاب النصائح، هذا الكتاب الذى تداولناه فيما بيننا بنات وبنين العشرين فى العمر، فى السر ثم فى العلن. خشيت، مثل كثيرات غيرى، أن يفضحنى احمرار وجهى فى القراءة الأولى فحملته ملفوفا فى حرير وتسللنا معا إلى فراش أعددته للمناسبة. أنا، ابنة الأصول والتقاليد، تصطحب فى الليل كتاب نصائح وإرشادات كان الأول فى حياتى ولم أكن الأولى التى أفلحت فى استدراجه. كان من نواحى عديدة الأول بامتياز. لا أذكر أن أصابعى ارتعشت وهى تقلب صفحات فى أى كتاب منذ علمونى كيف أمسك كتابا وأقلب صفحاته حتى أمسكت بهذا الكتاب. لن أنسى ما حييت لحظات قراءة الصفحة الأولى وها هى أصابعى، رغم مرور العقود العديدة، ما تزال ترتعش وأنا أقترب من نهاية الصفحة رقم الألف لأنتقل منها إلى الصفحة رقم الواحدة بعد الألف.
***
عاش أقرانك من الرجال حياة كاملة يحذروننى من رجال آخرين، بل من كل الرجال. لم أسمع مرة عبارة واحدة يمتدح بها أمامى رجل رجلا آخر، فما بالك وقد رآنى أتأهب ليقترب منى هذا الرجل الآخر، أو سمعنا نخطط لنشترك فى قراءة أو كتابة أو نسافر بعيدا أو نلعب سويا الشطرنج أو رآنا ننتحى ركنا فى مقهى نتسلى بالسودوكو والكلمات المتقاطعة. احذريه يا فتاة. بالمناسبة أنا دائما بالنسبة للرجال فتاة مهما بلغت من العمر وأنجبت من أطفال، احذريه يا بنوتة، إنه الخطر الداهم. كلماته دائما معسولة وما أنت فى فهمه سوى كائن من كائنات زاحفة جاهزة للالتصاق واللدغ فور تذوق رائحة العسل النفاذة وطعمه الذى لا يقارن فى لذته وقوته. ويتوالى التحذير. هل غابت عنك خيامه التى يحملها على ظهره ليفردها على أرضك فى اللحظة التى يقرر عندها أنه استلم من ناحيتك رسالة استسلام. لن يهدأ له بال حتى تنزلى ضيفا على مضاربه. هناك يعرض مهاراته فى ركوب الخيل والقنص أو التفوق على شهرزاد فى سرد الروايات أو امتشاق الحسام وافتعال صراعات مع بنى جنسه هو فيها الفائز حتما. يأتى إليك بالدرع والوشاح لتوقعى عليهما أو تمرين بشفتيك على أى منهما. ومن حيث تكونين ينطلق ركضا بين الخيام مزهوا وناثرا بعض عطر انتقل بالشفاه من الصيد الثمين إلى الفارس المغوار. قالوا لنا عن الرجال إنهم نوعان، نوع وهو قليل يقنع بوقوع الصيد فى شباكه يمتع به النظر أو يكسب من وراء عرض صيده إضافة ثمينة فى رصيد قوته الرخوة. النوع الآخر لن يقبل بأقل من تسجيل الصيد ملكا خاصا يفعل به ما شاء فعله. لا فرق ملحوظا بين مالك رحيم ومالك قاس، كلاهما متطلع لافتراس صيد يبدو على البعد وقبل اللمس عنيدا.
***
أخطأتم يا سادة حين أسبغتم على علاقة لا أحلى منها صفات من صنع خيالات مريضة. أسأتم لسمعة أقرانكم من الرجال من أجل تعزيز احتكاركم للنساء. النتيجة، أقولها صراحة وبأعلى صوت، لم تحتكروا إلا أقل النساء. أنا أدرى منكم بالنساء. أنا واحدة منهن. لن أبالغ فأزعم أننى أتحدث فى هذه الرسالة باسمهن. أنا هنا لأحكى حكايتى. حكاية تخصنى وحدى، ولن أحكيها لغيرك.
***
أكتب لك وإلى جانبى رجل. تعرفت عليه قبل أسبوعين فى حفل تضامن. ارتحت إلى أفكاره وإلى جوانب فى شخصيته. وجدته جذابا فى حديثه وراق لى ملبسه وبعض طباعه. دعوته ليقضى معى عطلة نهاية الأسبوع وليحتفل معى ببلوغى الخامسة والسبعين من عمرى. أرتاح لوجوده معى فى يوم تاريخى. كم أكره هذا الوصف الذى يطلقونه على أحداث سياسية تافهة لن يتوقف عندها التاريخ حتى وإن صار لعبة يلهو بها الصغار أو مجرد سرديات خلت من محطات كبرى. لكن أعرف أنك قد تتفق معى فى أنه بالنسبة لى يوم تاريخى. كم ربع قرن يمر فى حياة أى منا؟. أستطيع أن أقول لك وللرجل الجالس بجوارى أننى عشت ثلاثة أرباع القرن كما يجب أن يعيش الإنسان. عشتها كلها، أو أغلبها إن شئت الحق صافيا، عشتها فى حب لا ينقطع. لا أذكر يوما عشته لم يظلله حب. أسأل النفس كل صباح هل ضقت بحب الأمس أم ضاق بى حتى ترانى أسعى مع انبلاج الفجر سعيا شغوفا وواثقا نحو حب جديد يسعنى ويحتوينى فى آن؟. مرات ومرات تقدمت بعرض زواج على رجل أو آخر لم أشعر فى مرة واحدة منها برهبة أو تردد أو حتى حياء. لم أفقد ذرة من أنثويتى فى أى مرة عرضت على رجل ارتحت إليه شراكة فى علاقة حب. أظن أنك توقفت عن القراءة لتتأمل فى وقع كلماتى عليك. أعود فأؤكد إمعانا فى محاصرتك من جميع النواحى، أؤكد أننى لا أخلط بين علاقات الصداقة وعلاقات الحب، أنا أتحدث عن إقامة علاقات حب، فأنا أعرف تماما الفرق بين الحب والصداقة. عرفت الفرق وأنا ابنة العشرين وأحترمه وأنا «ابنة» الخمسة وسبعين.
أسمعكم ساخرة تعدون النساء للاشتراك فى مواكب الدعوة إلى تحقيق المساواة بين الجنسين. أظن أنكم لا تعلمون. أنا وكثيرات سبقنا المواكب فتساوينا بالرجال فى قطاع واحد على الأقل، وهو فى رأيى أهم القطاعات. لم ننتظر الإرشادات. ولم نقف مع الواقفات المترددات. خائفات أن يفقدن مزايا اللامساواة فى طلب الحب مثلا من أجل مساواة على الورق أمام القانون وغيره من الشرائع. بعض قادة الرجال يرصدون ويترصدون. كثيرون أعرفهم وأنت تعرفهم مثلى يتعاملون بمنتهى الرضا مع أنواع شتى من المساواة خارج المؤسسات والنظام السياسى والشرائع والقوانين، من هذه الأنواع، أو فى صدارتها، المساواة فى الحب، المساواة فى طلبه والمساواة فى عرضه. حاول كثيرون، ومنهم أهلك وأهلى، تحريم السعى لتحقيق هذه المساواة حين نشروا بين النساء روايات عن «فزاعة» الرجال ونشروا بين الرجال أساطير وخرافات عن «فزاعة» النساء. وفى النهاية انتصر الحب ولكن خارج كل الأطر. أنا أحد الشهود.
***
أعرف فيما تفكر. أنا لست واحدة من بنات خيالك أو خيال غيرك. أنا حقيقة. مؤكد أننا التقينا بالصدفة فكلانا نتحرك داخل دائرة واحدة. يكاد العمر يجمعنا وكذلك الاهتمامات الفكرية. أنا مدينة لك بالكثير.. ولن أفصح.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي